تلاحقت الحوادث الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت في الآونة الآخيرة، الامر الذي فتح الباب أمام تساؤلات عدة حول أسباب هذا الاهتزاز الأمني ودلالاته، وسط خشية لدى البعض من أن تكون قبضة الجيش والأجهزة قد إرتخت مجدداً في مواجهة أصحاب الإرتكابات. ما هي حقيقة الوضع في الضاحية؟ وأين الجيش و»حزب الله» ممّا يجري هناك؟
شكلت حادثة اطلاق النار على أحد المطاعم في الضاحية قبل ايام، حدثاً نافراً، بل صادماً، كونها تمّت على الملأ، في وضح النهار، وسط شارع حيوي، وبنحو استعراضي انطوى على استهتار بهيبة الدولة وسلامة الناس. وما زاد من منسوب القلق انّ تلك الحادثة كانت مسبوقة في الأيام والاسابيع الماضية بارتكابات أُخرى، إتّخذت اشكالاً مختلفة، لكنها تحمل دلالةً واحدة وهي محاولة العبث باستقرار الضاحية وأمن سكانها.
هذا هو الجانب الفارغ من «كوب الأمن» في الضاحية، أما الجانب المليء فيتمثل في قدرة الجيش والاجهزة الامنية على توقيف معظم الاشخاص المسؤولين عن ارتكاب الحوادث التي وقعت أخيراً، وكان آخرهم ح. ع . ز الذي اطلق النار، منذ أيام، في اتجاه مطعم «الآغا» من على دراجة نارية كان يقودها شقيقه م. ع . ز، ثم فرّا من المكان، قبل أن يقعا بعد وقت قصير في قبضة المخابرات.
ووفق معلومات المصادر العسكرية، فإنّ مخابرات الجيش استطاعت تحديد مكان وجود الشابين الفارَين اللذين كانا قد تركا منزلهما في حيّ الليلكي، ليتبيّن أنهما قصدا منزل شقيقتهما في حي السلم ومكثا فيه، حيث دهمته قوة من المخابرات نحو الرابعة فجراً، وقبضت عليهما في غرفة النوم.
وتؤكد المصادر انّ الجيش لم يتعمّد بتاتاً تسريب صورة الشابين اللذين ظهرا في ثيابهما الداخلية، خلال المباشرة في التحقيق معهما، موضحة انهما كانا اساساً يرتديانها، لحظة توقيفهما، نتيجة الحرارة المرتفعة على ما يبدو، ثم اقتيدا فوراً الى مركز المخابرات، حيث تمّ لاحقاً تسليمُهما ثياباً جديدة بعد شرائها خصيصاً لهما.
وتشدد المصادر العسكرية على انّ الموقوفين الإثنين لم يلقيا أيّ معاملة سيئة ولم يتعرّضا الى ضربة كفٍّ واحدة أثناء التحقيق، خصوصاً أنه لم تكن هناك حاجة أصلاً الى انتزاع الاعترافات منهما، في اعتبار انّ الوقائع الدامغة تدينهما تلقائياً بالصوت والصورة، كاشفة انّ العنصر الذي تولّى تسريب الصورة المسيئة عوقب بالسجن، لأن ليس من أخلاقيات الجيش اعتماد مثل هذه الوسائل.
ولئن كان «الأمن الداخلي» للضاحية لا يزال عرضة لخروقات متفرقة ومتنقلة، إلّا انّ ذلك لا يعني بالنسبة الى الجيش العودة الى مرحلة الفوضى وغياب المحاسبة، بل هو يعتبر انّ هذه الخروقات موضعية، والأهم انّ مرتكبيها يتهاوون تباعاً، الواحد تلو الآخر، بفعل جهد القوى العسكرية والامنية، من دون أن يكون هناك أيُّ محظور أو خطٌّ أحمر يعوق الوصول اليهم، سواء كانوا من مطلقي النار أو مروّجي المخدرات، أو محترفي السرقة أو فارضي الخوّات، أو غيرهم.
وتفيد المعلومات انّ مخابرات الجيش أوقفت منذ مطلع السنة، وحتى الآن، 63 شخصاً في الضاحية والبقاع والشمال، فقط بتهمة فرض الخوّات على المواطنين، والتي كانت تبلغ أحياناً سقف الـ 500 دولار. واللافت في لائحة الموقوفين في الضاحية والبقاع تحديداً أنها تضمّ أسماء كبيرة، بعضها كان مستعصياً على الملاحقة والاعتقال في الماضي.
لكن المشكلة التي يشكو منها الجيش تكمن في الأحكام القضائية «الرخوة» التي تصدر لاحقاً في حق بعض الموقوفين في جرائم متفرقة، الأمر الذي قد يشجّعهم على تكرار إرتكاباتهم أو ربما يشجّع الآخرين على الإقتداء بهم، ما دامت العقوبة متساهلة. وعليه، تشعر المؤسسة العسكرية أنّ هناك حاجة الى مواكبةٍ أكثر حزماً من القضاء للجهد الذي يبذله الجيش، حتى لا يذهب هباء.
وتؤكد المصادر العسكرية انّ قوى الجيش المولجة المحافظة على الامن في الضاحية لا تنام ولا تهدأ، مشيرة الى انّ الوضع ممسوك وتحت السيطرة، على رغم من الحوادت التي تقع احياناً، ومشيرة الى تعاون كامل من «حزب الله» الذي يؤكد العارفون أنه لم يرفع الغطاء عن المطلوبين والمرتكبين لأنه لم يكن يمنحهم في الاساس أيَّ غطاء حتى يرفعه، بل إن «الحزب» وبيئته هما الأشد تضرراً من تصرفات هؤلاء، والأكثر حماسة للجمهم.
وتوضح المصادر ان ليست هناك من بقعة مُغلقة في الضاحية امام مخابرات الجيش او الأجهزة الامنية، مشددة على انّ «حزب الله» لا يمنع دخولها الى أيّ مكان، وهو يتجاوب مع كل أمر يُطلب منه.
وتجزم المصادر العسكرية بعدم وجود مظلة او خيمة فوق رأس أحد، وكل معتد على أمن المواطنين وممتلكاتهم سيكون موضع ملاحقة مهما علا شأنه، داعية الناس الى الوثوق في المؤسسة العسكرية والتحلي بشجاعة الإبلاغ عمَّن يتعرض لهم، لأنّ كُثراً يتجنّبون ذلك خوفاً من التداعيات المحتملة.
وتضيف المصادر: «لقد انتهى المزاح، واستعادت الدولة جزءاً كبيراً من هيبتها في الضاحية، على رغم من بعض الانطباعات المغايرة، والدليل انه ما ان تمر في شوارعها سيارة الـ«رابيد» التي تستخدمها مخابرات الجيش، حتى يشعر المطلوبون بالرعب».