في الوقت الذي لا تزال فيه المواجهة مفتوحة بين كل من الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران على كافة الإحتمالات، لا سيما بعد الرسائل العسكرية المتبادلة، والتي كان آخرها إسقاط الحرس الثوري الإيراني الطائرة الأميركية المُسيّرة، يبرز توتر جديد على مستوى المنطقة، بين المحور السعودي-المصري-الإماراتي والمحور التركي-القطري، من غير المتوقّع أن ينتهي في وقت قريب، لا سيما أنه يحمل في طيّاته معالم صراع على زعامة العالم الإسلامي.
في الأيام الماضية، برزت بعض المعطيات الجديدة على هذا الصعيد، أبرزها وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في سجنه، بالإضافة إلى صدور تقرير أممي جديد حول حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، من دون تجاهل الزيارات المتكررة التي يقوم بها مسؤولون سعوديون إلى مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" في سوريا.
وقبل ذلك، يمكن وضع أغلب التطورات في بلدان المغرب العربي، من الجزائر إلى ليبيا وصولاً إلى السودان وتونس، ضمن السياق نفسه، حيث يبرز الإنقسام بين المحورين على أكثر من صعيد، في حين تبدو طهران أقرب إلى التركي-القطري منها إلى السعودي-المصري-الإماراتي، لقناعتها بأن أبواب الحوار مع الأخير مقفلة بشكل شبه تام، على عكس تلك القائمة مع الأول، الذي بدوره يواجه أزمة على مستوى علاقاته مع الإدارة الأميركية الحالية بقيادة دونالد ترامب.
على هذا الصعيد، يمكن القول أن القضايا التي تأتي على هامش هذا الصراع )التقرير الأممي حول مقتل خاشقجي وحادثة وفاة مرسي( تصب في مصلحة أنقرة والدوحة، الأمر الذي سيعمل هذا المحور على إستغلاله إلى أبعد حدود، نظراً إلى ما تشكله الحادثتين على المستوى العالمي، وهو ما يبرز من خلال المواقف التي يعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في المقابل، تسعى الرياض إلى الإستفادة من الغطاء الذي تحظى به من قبل الولايات المتحدة لتجاوز كل هذه المطبّات، وهو ما يمكن الرهان عليه في ظل إدارة ترامب، خصوصاً أن الرئيس الأميركي يضع على رأس قائمة أولوياته حماية المصالح السعوديّة مقابل الحصول على الأموال الطائلة بالدرجة الأولى.
في ظلّ هذا الواقع، من الطبيعي السؤال عن مستقبل الصراع في المرحلة المقبلة، خصوصاً لناحية إستغلال حركة "الاخوان المسلمين" وفاة مرسي لإعادة شد عصب أنصارها، لا سيما أن تاريخ الحركات الإسلامية تؤكد أن مثل هذه الأحداث تصب في مصلحتها بشكل أو بآخر، كما أن الحركات المتطرّفة لن تكون بعيدة عن هذا الإستغلال، على قاعدة أن ما حصل يؤكد وجهة نظرها بأن لا مكان للحوار في المواجهة مع الأنظمة القائمة.
في الصورة الأوسع هناك نقطة مفصليّة ينبغي التوقّف عندها، هي أن المحورين لا يبتعدان عن التوجهات الأميركيّة، فالإدارة السابقة بقيادة باراك أوباما كانت تراهن على المحور التركي-القطري في إحداث التغيير في منطقة الشرق الأوسط، ضمن ما يعرف بـ"الربيع العربي" التي كانت تنظر إليها الرياض وأبو ظبي بعين الريبة، بينما الإدارة الأميركية الحالية تراهن على المحور السعودي-الإماراتي-المصري، ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن"، التي لا تحظى بالموافقة التركيّة بل على العكس يتحدّث أردوغان عن منع تنفيذها.
في المحصّلة، لا يمكن التقليل من أهميّة هذا الصراع، رغم الإنشغال التام بالصراع الأميركي-الإيراني، حتى ولو لم يتطور إلى المواجهة المباشرة بين المتخاصمين، حيث من المتوقع أن ترتفع حدته، في المرحلة المقبلة، نظراً إلى الأحداث المنتظرة على مستوى المنطقة.