على الرغم من مُرور سنوات، لا بلّ عُقود، من الأخذ والردّ بين المُستأجرين القُدامى والمالكين، لا تزال هذه القضيّة غير مُنتهية. حتى أنّ إصدار الدولة لقانون إيجارات جديد(1) لم ينجح في طيّ صفحة النزاع، حيث شهدت ساحة رياض الصلح أمس إعتصامًا نفّذه عدد من المُستأجرين القُدامى وعائلاتهم إضافة إلى أعضاء اللجنة الأهليّة للمُستأجرين، لمُطالبة مجلس النوّاب بوقف العمل بقانون الإيجارات الجديد، وبإعادة النظر به، وبإقرار مشروع التعديلات التي رفعها عدد من النوّاب للتخفيف من الإنعكاسات السلبيّة على المُستأجرين. فأين أصبحت هذه القضيّة؟.
بحسب اللجنة الأهليّة للمُستأجرين إنّ قانون الإيجارات يُشرّد ما لا يقلّ عن 185 ألف عائلة من منازلهم ويرميهم في الشارع، والكثير منهم من كبار العُمر والمُتقاعدين، والأغلبيّة الساحقة من كل المُستأجرين القُدامى تُعاني من البطالة والفقر ومن غياب المُعيل. وتنوي اللجنة المذكورة تفعيل التحرّكات الشعبيّة، لتنشكيل قُوّة ضغط شعبيّة ميدانيّة قادرة على فرض إلغاء ما تصفه بقانون "التهجير الأسود". وهي تُطالب بالعودة إلى القانون رقم 160/92 مع إدخال تعديلات على بعض بُنوده، في إنتظار وضع قانون جديد يستند إلى سياسة إسكانيّة واضحة، ويأخذ في الإعتبار خطة إسكانيّة مُتكاملة.
في المُقابل، ترفض "نقابة مالكي العقارات والأبنيّة المؤجّرة" أي تعديل لقانون الإيجارات الجديد، وتستهجن مُحاولات التهرّب من تطبيق بُنوده عبر السعي لتمديد عُقود الإيجارات القديمة، وإستباحة الأملاك مُجدّدًا، من دون الأخذ في الإعتبار حُقوق المالكين المُستباحة منذ عُقود. وتنتقد النقابة بشدّة كل الإقتراحات المعروضة، ومنها دفع ما نسبته 50 % من قيمة المأجور، وكأنّ على المالك إعادة شراء منزله بعد السكن فيه لمدّة 40 سنة وبعد توريثه للأبناء أمام أعين المالكين، ومنها أيضًا الإكتفاء بمُضاعفة قيمة بدل الإيجار فقط، بعد التضخم الهائل الذي حصل على مدى أربعة عُقود، بحيث لم يعد من قيمة شرائيّة لبضع مئات آلاف من الليرات في مُقابل إستفادة المُستأجرمن منازل كبيرة جدًا. كما تؤكّد النقابة أنّ عدد المُستأجرين القُدامى أقلّ بكثير ممّا يُشاع، والكثير من هؤلاء من الأجانب، ومن اللبنانيّين الأثرياء، وهي تطالب أيضًا بفك أسر الإيجارات غير السكنيّة إستكمالاً لعودة الحُقوق لأصحابها(2).
تذكير أنّ قانون الإيجارات الجديد كان وُلد بتاريخ 1 نيسان 2014، بعد إقراره من قبل مجلس النواب بمادة وحيدة ومن دون أيّ نقاش قانوني يذكر في نصوصه. لكنّ الإعتراضات الكبيرة التي حصلت بعد ذلك، دفعت رئيس الجُمهورية السابق العماد ميشال سليمان إلى عدم توقيعه، الأمر الذي احدث بلبلة، على الرغم من أنّه لم يُعيده إلى مجلس النواب، وبالتالي صار القانون نافذًا حُكمًا تطبيقًا للمادة 57 من الدُستور(3). وبعد أخذ وردّ من جديد، تمّ نشر القانون بعد مُدّة، قبل أن يصدر المرسوم الرئاسي رقم 4473 تاريخ 17 أيار من العام 2019 الحالي، والقاضي بتشكيل اللجان الناظرة في تطبيق الأحكام المُرتبطة بتطبيق الزيادات على بدلات الإيجار(4). وإثر ذلك، أكّد نقيب مالكي العقارات والأبنية المُؤجّرة، باتريك رزق الله، أنّ قانون الإيجارات بات مُطبقًّا بجميع مواده، وأنّ للمالكين مُستحقات مُتراكمة منذ 28/12/2014 في ذمّة المُستأجرين، طالما أنّ اللجان شُكّلت لتفصل في النزاعات بين المالكين والمُستأجرين في حال عدم حُصول توافق رضائي، علمًا أنّ هذه اللجان مسؤولة أيضًا عن الفصل بين المُستفيدين من حساب الدعم وغير المُستفيدين.
في الخُلاصة، يُمكن القول إنّ قانون الإيجارات الجديد نافذ ويجب تطبيقه، حيث حان الوقت لإنصاف المالكين الذين ظُلموا لعُقود طويلة، وبعضهم يُعاني فعلاً من الفقر وهو المُفترض به أن يكون غنيًا من أموال عقاره! في الوقت عينه، على الدولة الإلتزام بتعهّداتها، لجهة توفير الدعم للمُستأجرين العاجزين فعليًا عن دفع بدلات الإيجار، وليس للذين يتظاهرون بالفقر للتهرّب من دفع المُتوجّبات الماليّة الخاصة بالسكن، بينما يدفعون لقاء باقي الخدمات الحياتيّة! لكن كيف للجهات المالية الرسميّة العاجزة عن الإستمرار في تأمين الأموال اللازمة لصالح مصرف الإسكان، على الرغم من أنّ هذه الأموال مُعدّة للإستدانة، أن تكون قادرة على تأمين الأموال اللازمة لتغذية صندوق دعم الحالات الخاصة من بين المُستأجرين؟! وفي كل الأحوال، على القانون الجديد أن يُطبّق، إنصافًا للحقّ وللعدالة وللمنطق أيضًا، وعلى الدولة تأمين أماكن سكن ولوّ من غرفة واحدة، لفئة مُحدّدة من المُستأجرين القُدامى، أي لأولئك الذين يفتقرون إلى أي إمكانيّة للدفع، بسبب تقدّمهم في العُمر أو وفاة المُعيل، أو لأي سبب مُقنع وحقيقي آخر.
(1) أهمّ ما جاء في القانون لصالح المؤجّر أنّه نصّ على تحرير المأجور وتصاعد بدلاته تدريجًا ليستعيده المالك كليًا بعد 12 سنة، وأهمّ ما جاء فيه لصالح المُستأجر أنّه أعطاه حقّ البقاء فيه لسنوات طويلة، مع حقّ الإستفادة من مُساهمة صندوق دعم للفئات المُتواضعة الدخل.
(2) الإيجارات القديمة غير السكنيّة، أي تلك التي تعود لشركات ومؤسّسات تجاريّة، لا تزال تستفيد من التمديد حتى نهاية العام الحالي.
(3) المادة 56 من الدُستور تنصّ على أنّ رئيس الجمهوريّة يُصدر القوانين التي تمّت المُوافقة النهائيّة عليها في خلال شهر من تاريخ إحالتها إلى الحُكومة، بينما المادة 57 تنصّ على أنّه في حال إنقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يُعتبر نافذًا حُكمًا ووجب نشره.