يُصاب اللبناني بالإحباط حين يرى كيف أن العالم يتحرك بحيوية فيما هو عالق في قضاياه الداخلية التي تشلّ حركته:
ها هي البحرين تقيم ورشة العمل الاقتصادية تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، على مدى يومين من هذا الأسبوع.
وها هي اليابان تستضيف الجمعة والسبت المقبلين أهم قمة عالمية لهذه السنة وهي قمة العشرين في مدينة اوساكا، ويحضرها رؤساء اميركا وروسيا وكندا والصين وفرنسا وإلمانيا وغيرها، ومصير الكرة الأرضية بكامله على محك هذه القمة.
***
مسكين لبنان! أين هو من كل هذه التحركات؟
لبنان غارقٌ حتى اذنيه في كل شيء: في الديون وفي الإنكماش الإقتصادي وفي النفايات وفي الفساد وفي الروائح الكريهة المنبعثة من المكبات والمطامر، والقاسم المشترك بين كل هذه الملفات أن لا قدرة للإدارة السياسية التي تتولى شؤون البلد على معالجة أيٍّ من هذه الملفات.
فارتفاع الدين يسير صعودًا وبدقة، كالساعة السويسرية ولا شيء قادرًا على إيقافه، وكل المحاولات حتى الآن لأطفاء جزء من هذا الدين باءت بالفشل لأن لا معرفة بالمعالجة ولا قدرة ولا شفافية، فكل ما طُرِح من أفكار ومحاولات لم يكن سوى للمزايدة، وهذه المزايدة مستمرة ولا شيء يوقفها لأن الذين يتولون إدارة شؤون البلاد غير قادرين على المساءلة والمحاسبة، وحين تنعدم المساءلة والمحاسبة يصبح كل شيء متاحًا ومباحًا.
***
وفيما الموازنة في منتصف الطريق قبل وصولها إلى الجلسة العامة لمناقشتها وإصدارها بقانون، كان وفد من البنك الدولي في بيروت يناقش مع المعنيين سبل التقدم بالموازنة. الوفد برئاسة "كريس جارفيس" وقد أبدى خلال اجتماعه بوزير المال علي حسن خليل، أسفه للخلافات السياسية بين الأطراف اللبنانية التي تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي، وتوقف عند مدى الجدية بتنفيذ خطة الكهرباء. وبدا الوفد مهتماً بالالتزام بنسبة العجز في موازنة هذا العام وتخفيض العجز في العام المقبل.
وتمنى جارفيس، ان يُقرّ مجلس النواب الموازنة في أقرب وقت ممكن، وفق نسبة العجز 7،6 في المئة، مما سيساعد على تحرير الأموال التي يحتاج إليها لبنان من مؤتمر "سيدر".
لم يتوقف "النصح"عند هذا الحد، فوفق معلومات رشحت عن لقاءات البعثة، فإن "جارفيس" أوصى برفع الضريبة على القيمة المضافة وفرض ضريبة على المشتقات النفطية، مقابل التعويض بانفاق اجتماعي أكبر، لكن الطرف اللبناني لم يقبل هذا العرض الذي في رأيه يفجّر ما وصفه بأنه أزمة اجتماعية كبيرة.
***
هل من سبيل للخروج من هذا المأزق؟ لا شيء يوحي بذلك، والمؤشرات إلى ذلك كثيرة ومن أبرزها الإنكماش الإقتصادي الذي يُعتبر الأول من نوعه منذ انتهاء الحرب في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ووفق معطيات شركة "الدولية للمعلومات" فإن الحجز للمهرجانات في لبنان حتى 24 حزيران 2019، في كل من بعلبك، بيت الدين، جبيل، طرابلس، إهدن، صور، القبيات أعياد بيروت وجونيه، إنخفض نحو 40% الى 50% مقارنة بـ 2018.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من انكماش، على كل المستويات، بعد هذا الإنكماش؟
للاسف الشديد، لا شيء في الأفق يؤشِّر إلى التحسن.
وللبحث صلة...