لا يزايدنَّ أحدٌ على علويٍّ في انتمائه لذلك الخط المقاوم العميق الذي يجتاحه طولاً وعرضاً، في بداية مقالنا، كي لا يُقالُ: أن بداية مقالنا كُفرٌ، بل إن شاء الله، شهادةُ حقٍّ لله وللتاريخ.
وأكادُ أجزمُ أنه لا يخلو بيتٌ علويٌ من شهيدٍ واثنين على درب هذا الخط الملتهب.
فالقضية ليست قضية إثبات ولاء أو نكران ذات، أو نقلُ بارودةٍ من كتفٍ إلى كتفٍ، ولا هي شهادة سلوك، أو براءة من جبهةٍ، بل هي بكل بساطة انتفاضة على مستغلٍ جاءَ لِيُشيطن الأصوات الموجوعة التي صرخت في وجه ظالمٍ جاثم على أنفاسها المخنوقة منذ عقودٍ.
ومن هذه الجزئية ننطلقُ قاطعين الطريقَ على مستغلٍ يحب الاصطياد في المياه العكرة.
وقد دفع العلويون في لبنان تاريخياً وما زالوا يدفعون ضريبة انشطار أرواحهم بين انتماءين لا ثالث لهما:
الانتماء الوطني لهذا البلد الصغير (لبنان)، وانتماءهم العميق لسورية قيادة وشعباً.
فجاءَ مَنْ يستغل ولاء العلويين في لبنان لقيادتهِ تلبيةً لأفكارهِ البائدة، وعقليَّتهِ الرجعية، ومصلحته الضيقة، ونظرته المعدومة إلى واقع العلويين الجغرافي في لبنانَ، واضعهم بلا مبالاةٍ بانتماءهم المجتمعي، ولا تقديرٍ لظروفِهم المعيشية، ولا أدنى مسؤولية في إحراجهم أمام مجتمع طويلٍ عريضٍ أممي بتهمة العمالة للخارج، بدلَ أن يعمل على رفع مستواهم إلى رتبة حلفاء حقيقيين لهم وزنهم وكلمتهم وقرارهم الحر المستقل، الذي لن يخرج في كل حالاته عن دائرته الاستراتيجية، شأنهم في ذلك شأن أصغر حليفٍ لهم: يُعارضُ ويبادرُ ويلتقي وينسقُ مع خصومٍ لهم في السياسة اللبنانية، ولكن ضمن المقبول والمعقول.
كل هذه المعطيات الخطرة ضرب بها عرض الحائط، واستدعى على عجلٍ: مَنْ كُنَّا نخشى ذكر اسمه ومنصبه ولكن الكل صار يعرفه ويستعيذ بالله منه: "وَأسرُّ الشكوى حياءً وكبراً رُبَّ شكوىً إسرارُها إعلانُ"، والمُسْتَدْعَوْن كُثر، أمَّا من استدعاهم، فعنجهيات متصارعة لا يرحموننا أبداً، ولكن نعدهم: أن رحمة الله فوقهم جميعاً ستشملنا بلطفها.
فمنهم، مَنِ استدعى نائبا الطائفة مع كلَّ مُعيَّن مُمَّدّدٍ له في المجلس العلوي، للمرةِ الثالثة، مخالفاً بذلك كل الأصول واللباقةٍ في التعاطي مع أي مكون وطني، ولكن كما يُقالُ: استضعفهم فأمرهم بالمضي:
في الاستدعاء الأول (الانتخابي): بالاقتراع بكثافة للائحة ما، انتصاراً لثقته الهَرمة، ولكن خصمه الحليف اللدود كان له بالمرصاد فقلب الطاولة عليه وفي وجهه، وسقط الاثنان.
وفي الاستدعاء الثاني: تمنٍّ (وفي بعض التمني أمر) بالمضي بمعالجة موضوع الشغور بالمجلس العلوي.
أما الاستدعاء الثالث: فأمر باقتراح قانون مسخٍ معجل مكرر، لتمديد ولاية الهيئتين الشرعية والتنفيذية للمجلس الإسلامي العلوي، لم يرق الأمر لخصمه الحليفِ لأن مرشحه الأبدي الموجود حالياَ صار خارج المعادلة، فبادر بقلب الطاولة مجدداً في وجهه، مُطالباً بانتخابات شاملة، فهل يسقط الاثنان مجدداً، في لعبة النكايات؟.
وقبلها تدخلات سافرة في كل استحقاقٍ علوي:
تدخلٌ في الانتخابات الاختياريّة: خسرنا المخاتير الأربعة، ونجح فقط واحد معارض لهم جميعهم.
تدخلٌ في الانتخابات البلدية: خسرنا المقعدين البلديين المستحقّين لنا.
ونرجع إلى القانون المسخ الذي تقدم به النائبان، فلا نغالي إذا قلنا أن هذا القانون المسخ هو جريمة أخلاقية ووطنية بحق هذا المكوّن المستضعف الذي توالى الجميع على إذلاله بلا شفقةٍ ولا رحمةٍ، ولكن ظلم ذوي القربى..
هذه الجريمة الأخلاقيّة تُثبتها التواريخ الخمسة التالية المهمة:
1-في 3/4/2002، تمّت أول عملية انتخاب للهيئة العامة.
2-في 30/4/2002، تم انتخاب الهيئتين الشرعية والتنفيذية .
3-في 24/3/ 2007، تم انتخاب الرئيس ونائبه، لكن حكومة فؤاد السنيورة لم تعترف بهما.
4-في 1/3/2009، كُرّس هذا الانتخاب بمرسومٍ صادرٍ عن رئيسِ الجمهورية.
5-في 3/ 4/ 2013، أصدر قرار التمديد، رقم الصادر 653/ص، رقم المحفوظات 704/2، تاريخ 3 نيسان 2013، قرار رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بالتمديد لرئيس المجلس الاسلامي العلوي ونائبه وهيئات المجلس إلى حين إجراء انتخابات جديدة، جاء في الأسباب الموجبة المُدرجة في كتاب رئيس المجلس الإسلامي العلوي رقم 787 تاريخ 14/3/ 2013: عدم القدرة على اجراء الانتخابات بسبب الأوضاع الأمنيّة السائدة وقتها... وبعض الأسباب الأخرى، وبالتالي صدر قرار رئيس الحكومة أعلاه: بالتمديد لرئيس المجلس لتسيير أعمال المرفق العام الذي هو المجلس الإسلامي العلوي؛ تلافياً لحصول فراغ في السلطة المناطة بإدارة المرفق العام حسب ما ورد في استشارة هيئة التشريع والاستشارات رقم 1268/87 تاريخ 20/8/1987.
17 عاماً من الفساد والاستبدادِ، فمتى نخلص من هذه الدوّامة؟ ومتى نخرج إلى نور الحرية والسلام؟.
وأخيراً، أدرج القانون المسخ للنائبين على جدول أعمالِ مجلس النواب يوم الأربعاءِ في 26 حزيران 2019، للمرة الثانية، بعد أن حُوِّل للجان في الجلسة السابقة. فهاجَ الأشقّاء الأعداء وماجوا، وسقَطَوا جميعاً: بضربةٍ واحدةٍ إلى الدرك الأسفلِ من الأنانية والعنجهية. وبلحظةٍ واحدةٍ لفظتهمْ كل دساتير السياسة وشرعاتِ الحنكةِ. إنها... التي ضربتْ أطنابها في عقولهم، فأغشتْ قلوبهم.
لا أستثني أحداً من هذا السقوط، سوى نفسي الضعيفة ومن ساواها بقلّة الحيلة، والحمد لله، ثم الحمد لله، على اختبار الصدقِ في هذا الزمنِ.
سنين خلتْ، ومن يطالب بالانتخابات هو عميلٌ لديهم، يُسلِّطون عليه كل ما وصلت اليه أيمانهم، تهتك به...
تشكّلت منَّا ومن رفاقٍ لنا لجنةٌ تطوعت للمطالبة والمساعدة في إجراء الإنتخابات، دارتْ على ما تيسر لها من نافذين، ووضعت كل حيلتها في سبيل الوصول إلى العدالة المتمثلة بانتخابات شاملةٍ.
واجهها الجميع بضرواةٍ، وللإنصافِ، إنَّ أولئك من المتباكين اليوم في سبيل إجراء المجلس هم أكثر الناس شتماً لنا تهديداً وترويعاً وتسخيفاً... واليوم صاروا يتكلمون بلساننا، بعد أن استولوا على مفرداتنا وأهدافنا.
هذه اللجنة سمعت أخباراً طيبةً من نواب فاعلين أن هذا القانون المسخ لن يمر بعد يومين في مجلس النواب، فنبشرهم بالفشل مجدداً بحول الله تعالى.
وهكذا دارتِ الأيامُ، والزمنُ دّوّارُ، وبأشهرٍ قليلةٍ تحوَّلَتِ المعادلةُ، وانقلبتِ الآيةُ، فصارَ الممنوعُ علينا البوحَ بهِ مُباحاً، بل أكثرُ من مباحٍ، إنَّهُ الخطُّ الأحمرُ الذي لا يُقبل بتجاوزهِ.
صارتِ الخيانةُ موازيةً لما يرفضُ مطلبنا القديمُ، فأنتمُ بمعيار واقعكم اليومُ من المسيئين للعلويين.
وأضحتِ العمالةُ في رفضِ الانتخاباتِ، وهذا أكبرُ دليلٍ على عمالتكم.
هدرتمُ دمائنا رخيصةً على طرقاتِكم، واستحللتمْ كراماتنا بأسماء فيسبوكية تعبر عن توتركم.
كل مفردات قاموسكم الإرهابي التكفيري أفرغتموه ضد بعضكم بعد أن مَلَّتْ آذاننا من سماعها.
دخلتم بشقاقٍ عقائدي، وصراعٍ تاريخي، بعد حلفٍ للأسفَ بدى أوهنَ من بيت العنكبوت.
وفي الختامِ: رسالةُ حبٍّ صادقةٍ لم يبقَ لنا سواها، بعد أن تقطعتِ بنا السُّبُلُ.
هذه الرسالة للإخوة في حزب الله وحليفه القيادة السورية، نُرسلها وأيادينا على قلوبنا تخفقُ ألماً من خشية الفهم الخاطئ، تنصُّ بشكلِّ واضحٍ وشجاعٍ على سؤالٍ وترجٍّ: لماذا تُغتالُ أحلامُ العلويين في لبنان؟
آن الأوان مراجعة كل مسؤول عن ملفِ العلويين، أو له دالةً الكلمة أو الوصاية والنصيحة، وربما الفرض، ومحاسبته عن كل هذا التاريخ من التخبط والمقامرة بمستقبل هذه الطائفة المظلومة؛ لأنهم صحَّ فيهم قول شاعرنا الكبير المرحوم حامد حسن: "نَفَرٌ لو انفتَحَتْ خبيئةُ نفسهِ وتكشَّفَتْ، ملأ الزمان فضائحا في كلِّ ناحيةٍ وكلِّ محلَّةٍ منهمْ، أرى وَكـَلاً (الوَكـَلُ هو الجبان العاجز)، وأسمعُ قادحا قَتَلوا بمنطقهم، وهلْ من فارقٍ أنْ كان سيفُكَ أو لسانكَ ذابحا"؟.
اللهمَّ أني قدْ بلغتُ، اللهمَّ فاشهد.