أكدت سبع منظمات غير حكومية أنه "تعتبر الشفافية والتشاركية من أهم عناصر الحكم الرشيد ومدخل أساسي لأيّ إصلاح اقتصادي في أي نظام سياسي، وهما يُشكّلان جزءً لا يتجزأ من أي منظومة إصلاحية إقتصادية وبنيوية مالية واستمرار غيابهما سيؤدي لا محالة إلى إهتزاز الثقة ما بين المواطن والحكومة، وإلى إفتقاد سياسات وبرامج لا تعكس بشكلٍ مباشر حاجات وتطلعات المواطنين من خلال موازنة تشاركية – شفافة تُلبي حاجاتهم، وهذا ما كان غائباً عن الممارسة في السنوات الاخيرة ولا يزال في مشروع الموازنة للعام 2019 الجاري درسه في مجلس النواب".
وفي بيان لها، أشارت المنظمات الى أنه "قد انعكس غياب هذان العنصران على نتائج لبنان في المؤشرات الدولية، بعدما احتل لبنان مرتبة 138/180 بدرجة 28/100 للعام 2018 في مؤشر مدركات الفساد CPI الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية"، كما احتل لبنان المرتبة 105/115 بدرجة 3 في المئة في العام 2017 في مبادرة "شراكة الموازنة الدولية"، لافتةً الى أنه "يُشكّل إقرار الموازنة العامّة للعام 2019 الإمتحان الأول أمام الحكومة، نظراً لأهمية الرسالة التي تُرسلها إلى الجهات الدولية حول الإصلاحات الاقتصادية المزمع إتخاذها، كون الموازنة هي انعكاس للسياسات الإقتصادية والاجتماعية وليست حساباً للنفقات والواردات فحسب، وخصوصاً بعدما تعهدت الحكومة اللبنانية في 7 شباط 2019 ضمن بيانها الوزاري الإلتزام بتنفيذ سريع وفعّال لبرامج إقتصادية إصلاحية من خلال مجموعة من التشريعات لا سيما المالية منها".
وأكد أن "الإصلاحات المزمع اتخاذها تؤكّد مدى جديّة إلتزامات السلطة التنفيذية وإعادة تجديد الثقة في ما بينها وبين الرأي العامّ اللبناني من جهة، كما وتحسين الصورة أمام المجتمع الدولي بمختلف مؤسّساته وجهاته المانحة والرقابية من جهة أخرى. هذا ومع العلم أن الحكومة، من ضمن الالتزامات والوعود التي تعهدت بها في بيانها الوزاري العتيد وأدرجتها في صلبه، قد إلتزمت صراحة "إشراك المجتمع المدني في صنع القرار".
وأشارت المنظمات الى انه"بعد انعقاد 20 جلسة رسمية لمجلس الوزراء وعشرات النقاشات الجانبية والحديث عن الدراسات الرديفة الداعمة التي كانت تُحضّر بشكلٍ سريع – وربما بمهنية أقل – أنجزت الحكومة دراسة مشروع الموازنة العامّة للعام 2019 المؤلف من 99 بنداً، وأحالته إلى المجلس النيابي، متجاوزة المهلة الدستورية بسبعة أشهر، ما قد يُفقد مشروع الموازنة العامّة روحيته والهدف الأساسي المرتقب من أية موازنة مما يجعلها بدون جدوى تُذكر، خصوصاً بعدما بدأت الوزارات بتحضير ملفاتها وحساباتها للموازنة المقبلة".
ولفتت الى أن "هذا، وناهيك عن مخالفة دستورية أخرى تتمثل بعدم تقديم مشروع قانون قطع الحساب لموازنات السنوات السابقة إلى مجلس النواب، على الرغم من أنّ هذا شرط دستوريّ أساسيّ لإقرار أيّ قانون موازنة (المادة 87)؛ علماً أنه قد ورد كشرط موجب في قانون الموازنة للعام 2017 تلتزم به الحكومة السابقة لجهة إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المدققة لما يقارب العقدين خلال مهلة السنة وإحالة مشاريع قوانين قطع الحساب التي لم تُقرّ بعد إلى مجلس النواب".
وأوضحت ان "اللافت أن مراحل تحضير الموازنة العامّة إفتقرت لعناصر الشفافية في جميع هذه المراحل، بدءاً من قيام الوزارات بإعداد موازناتها وفقاً للمادة 13 من قانون المحاسبة العمومية، حتى وصول مشروع الموازنة إلى الهيئة العامّة في مجلس النواب، بحيث تُعتبر الشفافية ركيزة أساسية في الإصلاح الاقتصادي وفي تعزيز الثقة ما بين المواطن والدولة، بالإضافة إلى تعزيز مفهوم المواطنة واشراك المواطن في عملية المساءلة والمحاسبة، فضلاً عن افتقارها للدقة في الأرقام ولا سيما الايرادات منها التي تم تقديرها استناداً للعام الفائت غير آخذين بعين الاعتبار الانكماش الاقتصادي المتزايد"، معتبرةً انه "قد كان جلياً أن الحكومة اللبنانية لم تعتمد مفهوم الموازنة التشاركية المتبعة في الأنظمة الديمقراطية التي تستند من خلالها إلى تعميق المشاركة المجتمعية في السياسات المالية للدولة، الأمر الذي يُبقي-والحال هذه- مسار إعداد الموازنة في لبنان مجرد عمل حكومي تقوده وزارة المالية من دون أي تشاور أو مناقشة مع الأطراف المعنية وأصحاب الشأن والمصلحة، بينما المطلوب تنظيم مشاورات وورشات عمل تشارك فيها قيادات الوزارات المعنية في المحافظات المختلفة، لعرض ومناقشة برامج الموازنة العامّة للدولة مع المواطنين والإدارات المحلية والجهات المعنية من هيئات ونقابات وأحزاب ومجتمع مدني".