من يتابع التاريخ الحديث للطائفة الإسلامية العلوية في لبنان، ومسيرتها، خصوصاً تطور أحوالها الإجتماعية والثقافية، يلتمس بما لا يرتقي الى مستوى الشك، أن العلويين، هم من جزء النسيج اللبناني، وليسوا جاليةً أجنبيةً في لبنان، ولديهم تنوع في الآراء، والتوجهات السياسية، بحسب ما أثبتت الإنتخابات النيابية الأخيرة، وهذا الأمر لا يتعارض مع إرتبطاتهم الإجتماعية والعائلية في الداخل السوري، ومعلوم لدى الجميع، أن السواد الأعظم من أبناء هذه الطائفة، متمسك بخط المقاومة والممانعة في لبنان والمنطقة، وبذلوا في سبيل الدفاع عنه أغلى التضحيات، وتحملوا أثقل الأعباء، كذلك قدر لهم، أن يواجهوا "بالصدر المكشوف" إترتدادات الحوادث والحروب التي إندلعت في البلد والمحيط، منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الى الحريري، مروراً بحوادث 7 أيار 2008، وصولاً الى إتهام أحد أبرز رموز هذه الطائفة وهو النائب السابق الراحل علي عيد، ونجله الأمين العام للحزب العربي الديموقراطي رفعت، بالضلوع بجريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، في العام 2013.
كما في الحرب كذلك في السلم، فقد أسهم العلويون في تسديد الجزء الأكبر من ثمن التسوية، التي أوقفت 21 جولة إقتتال دموي بين أبناء مدينة طرابلس، والمعروفة بإشتباكات "جبل محسن وباب التبانة"، وهي تعود لأوائل ثمانينيات القرن الفائت، يوم إحنضت "القوى الإسلامية" في هذه المدينة، بعضاً من جماعة الأخوان المسلمين الهاربين من سورية، الذين إنخرطوا لاحقاً في الهجوم على الجبل. وأثر حوادث 7 أيار 2008، التي كانت أحدى أبرز نتائجها إنهاء الميليشيا المسلحة التابعة لتيار المستقبل وأتباعه في بيروت خلال ساعاتٍ قليلة، وفي محاولة للتعويض عن خسارته، أقدم "التيار الأزرق" على نكأ جرح مر عليه نحو ثلاثة عقود، بين أبناء المدينة الواحدة، أسفر عنه إندلاع 21 جولة عنف، كما ورد لاحقا، إنتهت بتسوية غير منصفة، ومرتكزة على سياسة "الكيل بمكيالين" في العام 2013 أتت بالرئيس تمام سلام رئيسا للحكومة، واللواء اشرف ريفي وزيرا للعدل، وإبعاد رفعت عيد الى الجارة الأقرب، وفي الوقت عينه لم يتم على الأقل إستدعاء المسؤول العسكري في "الأزرق" العقيد عميد حمود الى التحقيق لضلوعه في هذه الإشتباكات، باعترافات "قادة المحاور" أمام هيئة المحكمة العسكرية.
وإستمر الغبن في حق هذه الطائفة، يوم إبعاد ممثيلها من المجلس البلدي والهيئات الإختيارية في "الفيحاء"، في العام 2016 ، ثم الإمعان في تهميشها في الحياة السياسية اللبنانية، من خلال إستبعاد المرشحين الذي يحظون بتأييد واسع لدى أبناء هذه الطائفة عن اللوائح الإنتخابية المؤهلة جدياً لخوض غمار الإنتخابات في حينه.
وهكذا دواليك، تستمر حملة التهميش في حق العلويين، التواقين الى ممارسة حقوقهم كمواطنين، أسوة بأبناء مختلف الطوائف اللبنانية، والجديد اليوم، هو عدم الإفساح في المجال أمام ابناء هذه الطائفة ونخبها، من إختيار ممثليها في المجلس الإسلامي العلوي، بعد التمديد لأعضاء هذا المجلس المعيّنين في العام 2003 لمدة سنتين، وإنتخاب رئيس ونائبه فقط، كون الذي يشغل موقع الرئيس هو المهندس محمد عصفور، وهو ليس برجل دين، وحصر أصوات الهيئة الناخبة بمن تبقى من أعضاء هذه المجلس، الذي مر على تعيينه 17 عاماً، بناء على اقتراح قانون تقدم به الى المجلس النيابي النائبان مصطفى حسين وعلي دوريش، ما أثار غضب الشارع العلوي، بالإضافة الى تغيبب نخب من هذا الشارع عن المشاركة في مجلس يفترض أن يمثلهم، بعد مسلسل التهميش المستدام الذي يعانوه، بذريعة واهية بأن باقي الطوائف الإسلامية لم تجر إنتخابات مجالس، كالتوافق المسبق على تولي الشيخ عبد اللطيف دريان منصب مفتي الجمهورية، أو التمديد للشيخ عبد الأمير قبلان في رئاسة المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى. وما يثير الريبة عند العلوييين، هو أن قانون التمديد هذا لم يات على ذكر تأليف لجنة للأشراف على إنتخابات "المجلس"، المزمع عقدها بعد سنتين، كما ورد في القانون المذكور.
ولاتستبعد مصادر عليمة أن تكون اسباب النقمة لدى الشارع العلوي ايضاً على الحلفاء السياسيين قبل غيرهم، هو تسريب أسماء المرشحيّن المعلبيّن، لتولي رئاسة المجلس ونيابة الرئاسة، "علماً أن حزب الله لا يتدخل في الشؤون الداخلية لأي طائفة"، وتختم بالسؤال: "لمصلحة من الإمعان في تهميش الطائفة العلوية وشرذمتها؟"