فرضت التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة، على ضوء مؤتمر "البحرين" الاقتصادي، ومحاولة بدء تطبيق "صفقة القرن" الاميركية التي يرفضها الفلسطينيون جملة وتفصيلا: قيادة وشعبا وقوى وطنية واسلامية، واقعا جديدا على الساحة اللبنانية، تمثل بإعادة احياء "أطر العمل المشتركة" بعدما جمّدت في اعقاب الخلافات التي وصلت الى حدّ القطيعة بين حركتي "فتح" و"حماس" من جهة، وبين حركتي "فتح" و"الجهاد الاسلامي" من جهة أخرى، اضافة الى المعارك التي اندلعت بين "فتح" و"انصار الله" في مخيم الميّة وميّة (25 تشرين الأول 2018)، والتي انتهت بهروب الامين العام للتنظيم جمال سليمان المخيم (7 تشرين الثاني 2018).
في هذا السياق، أكّدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان التوافق الفلسطيني ترجم بعقد اجتماع لـ"هيئة العمل الفلسطيني المشترك" في لبنان الذي جرى تشكيلها برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة في الثالث من أيلول 2018، والتي تنص، على اعتبار الساحة الفلسطينية في لبنان استثنائية وتستدعي تناسي الخلافات بعيدا عن الانقسام الفلسطيني، وهو الاجتماع الثاني لها، إذ لم تلتئم الا مرة واحدة في سفارة دولة فلسطين في بيروت، ولمناقشة موضوع واحد فقط "الوضع الامني في مخيم عين الحلوة"، على خلفية اغتيال الفلسطيني هيثم السعدي في 15 ايلول العام 2018، بعدما قرأت القوى الفلسطينية في الجريمة ناقوس خطر داهم يتهدد المخيم على خلفية تقاطع سلسلة من الاحداث الأمنيّة داخله مع التطورات السياسية المتسارعة خارجه، لجهة المحاولات الجارية لتصفية قضية اللاجئين في الشتات، والتي تشكل المخيّمات عنوانا رئيسيا لها، ومن خلال القرارات الاميركيّة المتدحرجة بكافة الاتجاهات بدءا بالقدس ونقل السفارة الأميركية اليها، مرورا بالضغط على القيادة الفلسطينية واقفال مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن ووقف المساعدات المالية وصولا الى العمل على انهاء وكالة "الاونروا" التي ما تزال تشكل شاهدا حيا على نكبة فلسطين منذ العام 1948 وعلى حق اللاجئين بالعودة وفق القرار الاممي 194.
وفي القراءة السياسية، فقد حمل إجتماع "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" في لبنان الذي عقد في سفارة دولة فلسطين في بيروت منذ أيام قليلة، سلسلة من الرسائل الداخلية والخارجية:
أولا-تأكيد التوافق الفلسطيني لإعادة تفعيل الأطر المشتركة في لبنان، خاصة في هذه المرحلة السياسية الدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، على أبواب محاولات بدء تطبيق "صفقة القرن" الاميركية، وهذا ما أكد عليه سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور، الذي اعرب عن ارتياحه لعودة هذا الاطار الجامع للكل الفلسطيني في لبنان، حيث هناك حاجة ضرورية وملحة له بسبب ما تمر به قضيتنا الفلسطينية من مخاطر وتحديات"، مشددا على ان "سفارة فلسطين هي بيت الكل الفلسطيني وان هذا المكان سنبقى نواجه معا ومن خلاله كل الصعاب والتحديات التي تواجهنا في مرحلة وجودنا القسري في هذا البلد الشقيق الذي احتضننا وساند قضيتنا لحين انجاز هدفنا بالحرية والعودة والاستقلال".
ثانيا-الرغبة في التصدي لتداعيات "مؤتمر البحرين" الاقتصادي بموقف فلسطيني موحد، بحيث يتكامل التوافق السياسي مع الحراك الشعبي في المخيمات والذي ترجم باعلان الاضراب العام والحداد ورفع الاعلام الفلسطينية مقابل حرق الاميركية والاسرائيلية في خطوة احتجاج، لم تشهدها المخيمات منذ وقت بعيد، وسوف تستكمل بعقد مؤتمر فلسطيني-لبناني-عربي في 7 تموز الجاري في بيروت بدعوة من المؤتمر القومي العربي"، "المؤتمر القومي الاسلامي" و"المؤتمر العام للاحزاب العربية" ومؤسسة القدس الدوليّة" بمشاركة ممثلين عن الاحزاب والقوى العربية والاسلامية حيث ستتم دعوة نحو 400 شخصية من مختلف الاقطار العربية والاسلامية، وذلك تنفيذا لقرارات "اللقاء الشعبي السياسي" الذي انعقد في بيروت في الثاني من حزيران 2019 تحت شعار "متحدون ضد صفقة القرن".
ثالثا-الحفاظ على أمن المخيمات واستقرارها وقطع الطريق على أي محاولة للتوتير في حال استمر الانقسام الفلسطيني.
رابعا-البدء بجلسات الحوار اللبناني الفلسطيني، باجتماع موسع لمجموعتي العمل اللبنانية والفلسطينية حول قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان، من الاحزاب اللبنانية المشاركة في المجلس النيابي والحكومة، والفصائل الفلسطينية المنضوية في إطاري منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية، بدعوة من رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة، في مقر اللجنة في السراي الحكومي.
وتوضح اوساط فلسطينية لـ"النشرة"، ان اهمية اجتماع الحوار يتجاوز كونه لبنانيا فلسطينيا، لتعزيز الحوار والتعاون على قاعدة الحقوق والواجبات، وانما باصدار موقف موحد من صفقة القرن"، حيث اكد المشاركون رفض مندرجات ما اصطلح على تسميته بـ"صفقة القرن"، واعتبار كل ما يترتب عليها لاغيا وباطلا وكأنّه لم يكن، ورفض التعامل معها ومع مترتباتها كافة بما فيها ورشة العمل في البحرين، وسط تشديد على أهميّة تعزيز التنسيق والتعاون في كل ما من شأنه إفشال صفقة القرن، ولاسيما الشقّ المتعلق بقضية اللاجئين وحقهم بالعودة، باعتبار أن محاولة فرض التوطين المرفوض أساسا تتناقض مع ثوابت الشعبين اللبناني والفلسطيني، فالدستور اللبناني في مقدمته يؤكد هذا الرفض، ومواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ترفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وبناء دولته المستقلة.
ثلاثة احداث
والى جانب هذه التطورات، شهدت المخيمات ثلاثة احداث هامة:
1-زيارة مسؤول "الامن المركزي" في وكالة "الاونروا" محمد حيدر، الى مخيم عين الحلوة، حيث تفقد بعض مؤسسات الوكالة و"الممر الآمن" الذي انشأته بين أربعة مدارس "مرج بن عامر، حطين، الفلوجة وقبية"، لدرء الخطر عن الطلاب في حال اندلاع اشتباكات مفاجئة ومحاصرتهم فيها، والتقى قائد الامن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب، الذي أكد الحرص على أمن واستقرار المخيم وعلى التعاون الوثيق مع "الاونروا"، في ظل الهجمة التي تتعرض لها، وعلى حماية مؤسساتها وتجنيبها اي توتير او ضرر.
2-زيارة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش، الى مخيم المية ومية للمرة الاولى منذ توليه مهامه الرسمية قبل نحو اربعة اشهر، حيث اطلع عن سير العمل في مؤسسات "الاونروا" التربوية والصحية وعلى واقع مخيم المية ومية والسياسي والانساني والخدماتي وعلاقته مع الجوار اللبناني.
3-دخول الجيش اللبناني الى مخيم المية ومية للمرة الاولى لتأمين الحراسة الامنيّة للزائر الدولي كوبيش وذلك بعد اشهر على الاتفاق الفلسطيني-اللبناني الذي انهى "المظاهر المسلّحة" في المخيم في اعقاب الاشتباكات الدامية التي وقعت بين حركتي "فتح" و"أنصار الله"، في 25 تشرين الأول 2018، وحصدت 4 قتلى ونحو 30 جريحا، والتي أرخت بتداعياتها السلبية على بلدة الميّة وميّة.