عندما يفتخر نائبٌ علويٌّ بقوله: (لنا الشرف أن نكون تابعين لسوريا)، ثم يقابله في المقلبِ الآخر زميله النائب العلوي الآخر في كل مجالسه أنَّهُ لا يستطيعُ مخالفة قرار السفير السوري. وقبلهما تصريحات من الجميع بالتبعية، استدامت سنواتٍ وسنواتٍ. عندها فقط، تشعر أنت كعلوي لبناني بلعنة التاريخ والجغرافية تتنزّلُ عليك فرادى ومثنى وجماعةً: ويلاتٍ ومصائبَ. ولم يقتصر الأمر على التصريحاتِ فقطِ، بل صارتْ واقعاً معاشاً كل يومٍ. وإذا كان المرء مخبوءٌ تحت لسانه، فهنا قد تظهَّرَ بالفعل كل معنىً للتبعية.
كأنَّ حُبَّ سوريا حسب قاموس النائبين يتطلبُ ضربَ كل مفرداتِ المواطنية اللبنانية؟!. ولكأنَّ إدخال بعض الموظفين السوريين في قضايانا الداخلية يعود بالخير على سوريا، أو يحقق لها انتصاراً في حربها الكونية ضد الإرهاب؟.
ونحن لو عُدنا معكم لاستعراض بعضِ مواقف النائبين في اللحظاتِ المصيرية القاتلة تجاه سوريا لأمشيناهما عراة حفاةً أمام حاضرهما لا يلقيان ما يستران به تقلباتهما حتى ولا ورقة توت مهترئةٍ. الأول وصل بانقلابٍ ضدها، والثاني بمسبّة لها. ومن يعرفنا يعرفُ أننا نسير في عملية تأريخ للعلويين الحديث في لبنان، نجمع به كل ما وصل إلينا من وثائقَ وتصريحات، وعند انتهائه إن شاء الله ، ستفجعون بما سينشط ذاكرتكم فقط ثم تضحكون.
ويزايدون ثم يزايدون ولا يتعبون من المزايدة باحترام القيادة، لتظنَّ نفسك أنك في تيشور أو ربما في جسر الشغور؟. يدخلونهم في كل تفصيلٍ مهما صغر قدره، بدءاً من عامل التنظيفاتِ وصولاً إلى التعيينات.
هم أساؤوا إلى سوريا قبل إساءتهم إلى وطنهم لبنان، أدخلوها في متاهات كفاها الله ما بها.
وأفسدوا للعلوي شرفَ المواطنةِ، ولو استمر الحالُ على هذا المنوال، فلا تستغربْ أبداً أن تراهما يُطالبان بالترشّح في طرطوس. قد يكون في كلامي كثير من السخرية، لأن شر البلية ما يُضحك. فما هي القصة إذاً؟. أمزاجيات مصلحية تتغير مع تغير عقاربِ الساعة البيولوجية؟. أم أنه خَرَقٌ متمادٍ يثور كل حينٍ ليقضي على مستقبل العلويين؟. لو كان ما يقومان به يخدمُ سوريا، لما كانا أشجع منا، فأرواحنا فداءً لها في كل ثانيةٍ.
ولو أنَّ حفلة الجنون التي يديرانها فعلاً هي بإيماءةٍ أو إشارةٍ من القيادة العليا في سوريا، لقلنا لها سمعاً وطاعةً، فكلنا ثقةٌ بها، ويرخص لها الغالي والنفيس.
ثلّة قليلة هي التي ترفض ما يحدثُ، الكل يتسابقُ صوب السفارة وما وراء السفارة للحصول على قرار أعلى ينسف قراراً أدنى ليصبح منظّراً فيلسوفاً، وسياسياً حكيماً.
وشخصياً، أقرأ ما كتب عن العلويين في لبنان، من تهمٍ بالتآمرِ والعمالةِ للخارجِ يومياً، فأجنُّ من كاتبِها، ثُمَّ أنظرُ إلى ما يقومان به فأرى مصاديقَ التهمِ واضحةً لا ينكرها إلى الخفاشِ الذي لا يقشع، فأنقلبُ إلى فراشي مدحوراً.
كنا نعتبُ على من سبق بالتبعية العمياء، وراهنا على النائبين في الموازنة بين الإنتماء الوطني والتحالفِ الخارجي، فقلبا كل مفاهيم السياسة والمواطنة.
تصوروا، فتنة كبرى تعيشها الطائفة العلوية في لبنان، جرَّاء تغيير اسم. نعم بكل بساطةٍ، اسمٌ تغيرَّ لأنهُ مقربٌ، فتم الدعس على كل أحلام العلويين.
قاما بمهمة أمرهما بها السفير السوري لمسخ قانون المجلس العلوي، كرمى لاسمٍ يستهويه، نكايةً بفلان!
اشتغلَ القاصي والداني فقط من أجل فلان. وكعادتهما بالهروب، نحن ننفذ قرار القيادة.
وتقف أنت أمام مستقبل أولادك يضيعُ، وقرار منعك من دخول سوريا الحبيبة حيثُ القداسة والطهارة تناديانك: صار جاهزاً؛ فتجتاحكُ عواصفٌ من التردد والخوفِ. أما أنا فقد اخترتُ الرفضَ لكل ما يجري. فلا سوريا الحبيبة يُرضيها أن نخون هويتنا اللبنانية، ولا انتماءنا اللبناني يسمح لنا أن نخونه. فلبنانُ عندي أولاً، ثم أولاً، ثم أولاً. وقد يتقاطع ما أقوله مع بعض المتربّصين، فليس هذا شأني، لأننا أمام عدوين: التابع، وعدو المتبوع..
فالكل يتساوى بالإساءة، ولا فرق عندي بين ظلم وآخر، بل بالعكس، يبقى ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً. ولم تترك لنا سعادتهما سوى الذل والهوان. فقد أرخصوا كل أحلامنا، وسفَّهوها.
ويبقى انتمائي وحبي عالياً غالياً لا يدنسه نائبٌ أو مارقٌ.
وفي الختام، تعالوا لننشد مع "بدوي الجبل" كلماته، ولنتركها تتردَّدُ في أعماقنا حزناً ونشوة:
لِيْ موطنٌ في رُبى لبنانَ ممتنعٌ وَلي بنو العمّ من أبنائه النُّجبِ
لبنان والغوطة الخضراء ضمّهما ما شئت من أدبٍ عال ومن نسب
ما في اتّحادهما والله من عجب هذا الفراق لعمري منتهى العجب
للخلف في الناس أنواع و أغربها خلف الشقيقين من قومي بلا سبب