"ما حدا أكبر من بلدو... البلد أكبر من الجميع".
صحيح، ولكن كيف تتم ترجمة هذه الحقيقة على أرض الواقع؟
يوم الأحد اندلعت فتنة في الجبل، والجبل "أرض خصبة للفتن" وأرض خصبة لإستغلال الفتن، هذا ليس انحيازًا، هذه وقائع تاريخية: من 1860، إلى 1958، إلى 1983، إلى الأمس القريب.
والفتنة المتنقلة لا تقتصر على الجبل بل تمتد أحيانًا إلى أكثر من منطقة:
ألم تكن هناك فتن متنقلة في بيروت وفي طرابلس وفي البقاع؟
الفتنة تخرب البلد، وما يتم إصلاحه في مئة عام تدمِّره الفتنة في مئة دقيقة!
***
تُرى، ألم يتعلَّم اللبنانيون من هذه الحقيقة المرّة؟
أيريدون ان تتكرر الحرب ليتعلَّموا؟
غريب أمرهم!
***
تحوَّل معظم اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، إلى محققين: يسردون ما حصل في شملان وكفرمتى وقبرشمون وعبيه والبنيه وخلده... أنجزوا التحقيق حتى قبل ان يبدأ التحقيق! وقبل ان يلتئم اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ما هذا اللبناني الذي يعرف كل شيء حتى قبل ان يدلي أصحاب الشأن بدلوهم!
عادةً، كلما تقع حادثة، ينبري مَن يقول: "لقد أصبحت وراءنا"... لكن هذه المرة لم تُصبح وراءنا، هي أمامنا بامتياز، فما حصل في الجبل أصبح أكبر من حزب وأكبر من تيار وحتى أكبر من منطقة، والخطر فيه أنه قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء عشرات السنين...
في هذه الحال، ما المطلوب؟
المطلوب ليس بالأمر الصعب على الإطلاق، وهو يُختصَر بالتالي:
ترك التحقيقات القضائية تأخذ مجراها من دون تدخّل من أحد.
تولي الجيش اللبناني الأمن لضبط الاوضاع.
إعلان جميع الاطراف السياسية انها لا تغطي أحداً وان كل مشتبه به ومتورِّط سيجري تسليمه إلى القضاء، وليأخذ التحقيق مجراه.
***
ثم هناك أمرٌ آخر لا بد من النظر إليه بعناية بالغة:
لقد حدث ما حدث في توقيت غريب مريب:
بداية توافد السياح.
بداية مهرجانات الصيف، ومنها مهرجانات بيت الدين.
إحتمال ان يتوجَّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين.
فكيف يمكن أن لا يكون الجبل مستقرًا في ظل هذه الإستحقاقات وهذه المحطات؟
الجبل هو قلب لبنان، وما لم تتم المحافظة على القلب فمن الصعوبة المحافظة على الاطراف.
هذه الحقيقة يجب أن يدركها كل المتعاطين بالشأن العام سواء في الجبل أو في خارج الجبل.
***
رحم الله مَن قال: إذا إهتز الجبل إهتز لبنان.
فحذار اللعب بالنار.
***
غداة الحادثة، لا بد من الحديث عن:
إطفائي
وأيادٍ بيضاء
الإطفائي كان في مقابل الذين يصبون الزيت على النار، والإطفائي هنا هو وزير الدفاع الياس بو صعب الذي عمل منذ ما قبل الحادثة وخلالها وبعدها، على التواصل مع جميع الأفرقاء من دون استثناء وكان مواكبًا للوزير جبران باسيل في شملان.
الوزير بو صعب، وبتنسيق مباشر مع رئيس الجمهورية، اتصل بجميع المعنيين من دون استثناء: بقي على تواصل مع المير طلال ارسلان، وعلى اتصال بالنائب أكرم شهيب، وفي كل اتصالاته كان حريصًا على التهدئة وعلى الإستقرار وعلى معنويات الجيش.
***
صاحب الأيادي البيضاء الذي عمل بدوره على التهدئة كان الأمير طلال إرسلان الذي بقي على تواصل مع رئيس الجمهورية.
***
يبقى الدور الأكبر للمجلس الأعلى للدفاع، وأخيرًا بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى دعوته على عجل لوضع الأمور في نصابها واتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تفرض الإستقرار.
***
مجددًا... إذا إهتز الجبل إهتز لبنان.