خُتمت التحقيقات في ملفي القاضيين بيتر جرمانوس وعماد الزين، ليُحالا على المجلس التأديبي. غير أن وزير العدل ألبرت سرحان يتريّث منذ أسبوع، في كفّ يدهما عن العمل، بخلاف باقي القضاة الذين أوقفوا عن العمل بإجراء سريع
أنهت هيئة التفتيش القضائي تحقيقاتها مع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، وقاضي التحقيق الأول في البقاع عماد الزين، لتُصدر قراراً بإحالتهما على المجلس التأديبي، مقترحةً على وزير العدل وقفهما عن العمل. كررت هيئة التفتيش الإجراء نفسه الذي اتّخذته مع أول خمسة قضاة أُحيلوا على المجلس التأديبي، إلا أنّ الفارق هذه المرة أداء وزير العدل ألبرت سرحان. فالوزير العوني وقّع قرار كفّ يد القضاة الخمسة فوراً في الحالات السابقة، لكنه «يتريّث» اليوم في كفّ يد القاضي جرمانوس المحسوب على تيّاره، رغم تسلّمه الملف منذ أكثر من أسبوع. فهل حالت الحظوة السياسية دون مسواة هذا القاضي أسوة بباقي زملائه الذين لم تحمهم مرجعياتهم السياسية، أم أنّ وزير العدل يُجري مراجعة ذاتية للقرارات السابقة التي اتّخذها بعدما اشتكى قضاة كثر من كونها غير محقة وظالمة؟
اتّصلت «الأخبار» بوزير العدل ألبرت سرحان، للسؤال عن سبب التريّث تحديداً مع القاضي جرمانوس، فردّ الوزير كاشفاً السبب بأنّ المجلس التأديبي سيُجري تحقيقاته سريعاً لإصدار قراره، مشيراً إلى أنه يدرس الملف المحال عليه قبل اتخاذ قراره. ورأى وزير العدل أنه طالما بالإمكان الانتظار لصدور قرار المجلس التأديبي خلال وقت قصير، لماذا تُكفّ يد قاضٍ هناك احتمال لأن يكون بريئاً؟
هكذا أجاب وزير العدل ضمناً بأنه لن يتّخذ قراره بكفّ يد جرمانوس. وظُهِّر الجواب بحضور جرمانوس مجلس الدفاع الأعلى الاثنين الفائت الذي كان بمثابة رسالة بأن جرمانوس مستمر بعمله. والاعتبار الذي يتذرّع به وزير العدل اليوم، لم يكن موجوداً قبل ثلاثة أشهر، حين أوقف خمسة قضاة عن العمل بناءً على اقتراح هيئة التفتيش القضائي، إلى حين البت بوضعه من قبل المجلس التأديبي، على اعتبار أنه لا يجوز أن يستكمل قاضٍ، وضعته التحقيقات في دائرة الشبهة، متابعة النظر في ملفات قضائية ريثما تثبت براءته القاطعة. غير أن أحداً لم يسأل أين أصبحت تحقيقات المجلس التأديبي في ملف القضاة الخمسة.
في الحقيقة، يختلف ملف القاضي جرمانوس عن باقي القضاة المشتبه فيهم في ملف الفساد القضائي، ربما لكونه أحد قضاة العهد البارزين الذي كان وزير العدل السابق ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي عرّاب تعيينه خلال التشكيلات القضائية عام ٢٠١٧، لدرجة أنه اعتبر تعيينه في منصب مفوض الحكومة إنجازاً شخصياً له. إزاء ذلك، يتردد أن جريصاتي يخوض اليوم معركة الدفاع عن جرمانوس في القصر الجمهوري. إذ إنّ موقف رئيس الجمهورية ميشال عون كان واضحاً تجاه جرمانوس لجهة استبداله، قبل أن يتريّث بدوره. وفي هذا السياق، ينقل مقرّبون عن جريصاتي اعتباره أنّ «من يعتقد أن ضباط فرع المعلومات أبرياء من دماء هؤلاء الأصدقاء (القضاة الموقوفون عن العمل) ساذج. نعم هم أصدقاء لأنهم أبرياء حتى تثبت إدانتهم». وترى مصادر جريصاتي أنّ كفّ اليد إجراء ظالم لأنه يُصادر قرينة البراءة التي يُفترض أن يتمتع بها أي مواطن من دون استثناء. ينطلق الوزير من هذه المقدمة لإطلاق النار على الجهاز الأمني الذي يتهمه بتصفية حسابات مع القضاة على خلفية سياسية.
غير أن جريصاتي ينفي لسائليه أي تدخُّلٍ في القضاء يُنسب إليه، باستثناء تدخّله للطلب من بيتر جرمانوس المثول أمام هيئة التفتيش القضائي بعد تمنُّع الأخير بذريعة أنه يخضع لإمرة وزير الدفاع. وبناءً على ما سبق، تكشف مصادر مطّلعة على الملف أن قرار هيئة التفتيش بإحالة جرمانوس على المجلس التأديبي وعدم اتخاذ وزير العدل قراراً بكف يدخ هو الإخراج المتفق عليه لإنهاء هذه الأزمة لعدم إطاحة جرمانوس وفق الصيغة التي كانت تقول: رأس جرمانوس مقابل رأس عماد عثمان.
مقابل داعمي القاضي جرمانوس، يحضر موقفٌ معاكس لعدد من القضاة والأمنيين. يرى هؤلاء أن الوزير والقيّمين على القضاء، يُميّزون بين قضاة محظيين وقضاة أقل حظوة. ويستغرب هؤلاء تلكؤ وزير العدل في اتخاذ قرار وقف جرمانوس عن العمل، سائلين: لماذا لم يتريّث وزير العدل في السابق، معتبراً أنه إجراء احترازي، فيما يتريث اليوم عندما طاولت قرارات «التفتيش» قاضياً محسوباً على التيار الوطني الحر؟ أم يرى الوزير أنه أخطأ في قراره السابق ليتخذ قراراً مغايراً، وإن صحّ ذلك، فهل يُعاد القضاة الخمسة إلى مراكزهم في انتظار صدور قرار المجلس التأديبي؟