أن تستأنف إسرائيل - عبر مراكزها البحثية - التصويب على قوات اليونيفيل والدعوة إلى تقليص عديدها وميزانيتها وبصورة عامة حضورها وتأثيرها الميداني، مسألة تستدعي المتابعة واليقظة والبحث في دلالاتها، خاصة أن الدعوة تحرّض في سياقها أيضاً على لبنان والجيش اللبناني، بوصفهما «جزءاً من المشكلة، وليسا جزءا من الحل»
ليس جديداً التحريض الإسرائيلي على الجيش اللبناني واليونيفيل. صدرت مواقف تحريضية في الماضي عن مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين في سياق محاولات تغيير قواعد الاشتباك في الجنوب اللبناني والرهان على تغيير تفويض القوة الدولية لمواجهة حزب الله وكالةً عن اسرائيل. أما الجديد فهو أن الدعوة هذه المرة تأتي في موازاة توتر وامكانات تصعيد في المنطقة، لا يُستبعَد أن يغري إسرائيل في السياق لإحداث تغيير ما تجاه الساحة اللبنانية، يستدعي منها أولا تقليص عديد اليونيفيل والضغط على الجيش اللبناني وترهيبه، بالتلميح الى إمكان فرض عقوبات عليه.
في العديد الاخير من نشرته الدورية «مباط عل»، يشدد معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، على خطأ المقاربة الغربية للساحة اللبنانية، وتحديدا ما يتعلق بالرهان على الجيش اللبناني، لافتا إلى وجود «فجوة واسعة جدا بين مطالب المجتمع الدولي من الحكومة اللبنانية، وبين الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن هذه الحكومة، سواء كانت رهينة أو شريكة عن عمد، تلعب دوراً نشطاً في التستر على حزب الله وعلى أنشطته ضد إسرائيل وضد قوات الأمم المتحدة. ومنذ أن سيطرت إيران وحزب الله على السياسة في لبنان، فإن الحكومة اللبنانية ليست هي الحل، بل هي جزء من المشكلة، وآمال الغرب المعلقة عليها واهنة».
في السياق، يشير المعهد إلى أنه «في ظل وجود اليونيفيل في جنوب لبنان، ومع الآلاف من الدوريات التي تسيّرها بلا فائدة، بات التهديد الذي تنامى في لبنان اليوم، التهديد الأعظم على الأمن الإسرائيلي، وإن كان تناميه جاء بصورة تدريجية. والسلاح الموجود على الحدود الشمالية هائل جدا، وهو في الوقت نفسه محميّ من دولة ذات سيادة تتستّر بحالة نكران دولي».
مناسبة التحذير واستئناف التحريض على اليونيفيل والجيش اللبناني، يَرِد انها مبنية على هشاشة الوضع الأمني على الحدود أكثر مما كانت عليه في الماضي، مع تزايد احتمالات تداعيه سريعا على خلفية جملة تطورات، ومنها الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران التي بادرت إلى ردود ذات أبعاد عسكرية وفي الملف النووي نفسه، والمواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران في سوريا، والضغوط الاقتصادية المتزايدة على إيران وحزب الله ولبنان.
على ذلك، يحذّر المعهد من أن عوامل الانفجار باتت موجودة وبفاعلية ويمكن أن تفجر الوضع رغم رغبة الطرفين في تجنب المواجهة. و«إذا اندلعت الحرب فسيجد حزب الله وايضا إسرائيل، نفسيهما في حرب مكثفة ومميتة ومدمرة، بينما ستضطر الأمم المتحدة إلى مواجهة تحديين رئيسيين: ازمة صدقية لأن تقاريرها لم تكن تشير إلى تعاظم التهديد وتراكمه في جنوب لبنان، والتحدي الثاني الاكثر خطورة أن عشرة آلاف جندي أممي سيجدون أنفسهم في واحدة من أكثر مناطق إطلاق الصواريخ كثافة في العالم، والتي ستصبح بين عشية وضحاها ساحة قتال دموية وتتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا بين قوات اليونيفيل».
وللحؤول دون تعرضها للخطر في حال اندلاع الحرب، ومنعاً لاستمرار دورها وحضورها غير المجديين في مواجهة حزب الله، يطلب المعهد من الحكومة الإسرائيلية الدفع باتجاه خفض عديد القوة الدولية تدريجاً، والعمل أيضا على خفض عدد الموظفين المحليين (اللبنانيين) في القوة الدولية، «كما يجب الامتناع عن تقديم أي مساعدة تنموية للبلدات الجنوبية التي تتعاون مع حزب الله أو تمنع دوريات اليونيفيل من دخولها، اضافة الى ضرورة العمل على منع الجيش اللبناني من استخدام مصطلح «أراض خاصة» لمنع وحدات اليونيفيل من التفتيش في مناطق جنوبية واسعة النطاق».
«يجب فرض عقوبات ضدّ أقسام من الجيش اللبناني تعمل كجماعات مساعدة لحزب الله»
ويطلب المعهد ايضا من الحكومة الإسرائيلية أن تعمل مع الولايات المتحدة والدول الغربية على «بلورة سياسات متناسقة إزاء ثلاثة اتجاهات:
اولا، من الضروري تحديث وتعديل السياسات تجاه الجيش اللبناني الذي هو مثل كل لبنان، يفترض أنه لا يتسم بالوحدة ويعاني أيضا من الانقسامات. لذلك يجب العمل على مقاربة مغايرة للجيش اللبناني، من خلال التغيير في الرؤى المتباينة بين إسرائيل والدول الغربية، أي بين الموقف (الإسرائيلي) القائل إن الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله، والموقف المقابل (الدول الغربية) القائل بوجوب تعزيز الجيش اللبناني. إذ على خلفية الانقسامات في المؤسسة العسكرية في لبنان، لا شك في أن قسما من وحداته تدعم حزب الله وتتعاون معه وهي عدوة لإسرائيل، فيما وحدات اخرى تمتنع عن ذلك، وسيكون من الحكمة تخفيف حدة الحماس الدولي لتعزيز الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني. وينبغي تقديم المزيد من المساعدة حصراً للوحدات التي لا تشكل أي خطر على إسرائيل، مثل وحدات مكافحة الأنشطة الإرهابية ووحدات أمن الحدود، وينبغي أن تكون المساعدة مرهونة بالأداء والوفاء بالتزامات لبنان.
ثانيا، يجب فرض عقوبات ضد اقسام من الجيش اللبناني تعمل كجماعات مساعدة لحزب الله، مثل المخابرات العسكرية وقادة الوحدات ذات الصلة في الجنوب اللبناني، اضافة إلى القادة المحليين الذين هم أعضاء في منظمة حزب الله، فضلاً عن منظمة «أخضر بلا حدود» ومصادر تمويلها.
ثالثا، سيكون من الحكمة استنفاد الإمكانات الإيجابية - حتى لو كانت ضعيفة - للمحادثات بشأن ترسيم الحدود البحرية، باتباع نهج جريء خلال المحادثات، كأن يتم تحدي لبنان وحزب الله باقتراح سلام يتضمن مطلبا بنزع سلاح حزب الله الثقيل وإخضاع قواته للحكومة اللبنانية. وإن كان من غير المرجح أن يؤدي هذا المسار إلى إحلال السلام على الحدود الشمالية لإسرائيل، إلا أنه يوفر إمكانات كبيرة لتكثيف الضغوط السياسية في لبنان فيما يتعلق بترسانة حزب الله العسكرية».