في نيسان الفائت، حظي إلياس بو صعب، بصفته وزيراً للدفاع، بفرصة الاقتراب من نفق القطار الإنكليزي في رأس الناقورة. لو كان مدنياً أو غير ذي صفة، لكان ممنوعاً عليه الاقتراب من المنحدر الواقع عند سفح «الرأس الأبيض»، برغم وقوعه ضمن الأراضي اللبنانية المحررة. النفق الذي يمتدّ إلى داخل فلسطين المحتلة (كان يصل إلى محطة حيفا منذ إنشائه عام 1942 وحتى إغلاقه إثر نكبة فلسطين عام 1948)، يقطع الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، بحسب اتفاقية الهدنة. ووفق مصادر أمنية، يملك لبنان داخله باتجاه فلسطين، ما بين 40 إلى 45 متراً تقع ضمن الأراضي المتحفظ عليها لبنانياً (أي شمالي نقطة الحدود المعروفة باسم B1).
وخلال عملية ترسيم الخط الأزرق إثر تحرير الجنوب عام 2000، طلب العدو الإسرائيلي وضع علامات الخط الأزرق أمام مدخل النفق على بعد أمتار قليلة باتجاه الشمال. تحفّظ لبنان على الترسيم، لكن النفق أقفلته إسرائيل بجدار بعد عام 1948 وبقي كذلك مروراً بالاحتلال والتحرير. الجدار الإسمنتي تخترقه نوافذ صغيرة للتهوية. والسبب أن النفق من الجانب الفلسطيني المحتل جزء من المعالم السياحية في «روش هانيكرا». فالجانب الجنوبي من رأس الناقورة، ليس منطقة عسكرية مقفلة كما هو الحال في لبنان. يمكن السياح الوصول إلى داخل النفق (يستثمر كمركز معارض) والمطاعم المنتشرة على السفح الجنوبي، سيراً أو بـ«التلفريك». أما فوق السفح نفسه، فإن لبنان نفسه يسمح لجنود العدو بأن يدخلوا إلى الأراضي اللبنانية المحررة ليشاركوا في الاجتماعات الثلاثية التي تعقد في مركز تابع للأمم المتحدة (بدءاً من عام 2007) يقع فوق النفق تماماً!
يستمر السكوت لبنانياً عن الازداوجية غير المفهومة في ظل التفاوض غير المباشر على الحدود البحرية المقابلة لـB1. لكن يبدو أن بو صعب أدرك أن استعادة السيادة على الجزء اللبناني من النفق الإنكليزي يغير المعادلة في المفاوضات غير المباشرة مع العدو على ترسيم الحدود البحرية. إذ إن كسر الجدار ورفع العلم اللبناني فوق الأربعين متراً يحسّنان من شروط التفاوض. وفي هذا الإطار، سجل بو صعب أول موقف رسمي لبناني منذ 2006 (أي منذ انتشار الجيش عند الحدود الجنوبية) حول النفق. خلال استقباله قائد اليونيفيل الجنرال ستيفانو دل كول أول من أمس، طلب الوزير «الحصول على تقرير مفصَّل حول نفق سكة الحديد في الناقورة الذي تعذَّر عليه الدخول، ولو إلى الجزء اللبناني منه في خلال زيارته الأخيرة للمنطقة بسبب بناء جدار عند مدخله من الجانب اللبناني، و التحقق ممّا يوجد وراء الجانب الآخر للحائط والتأكُّد من عدم تمكن العدو الإسرائيلي من الوصول إلى الجانب اللبناني منه، ولا سيما أنَّه يمتد تحت الحدود التي تفصل بين الجانبين» كما جاء في بيان الزيارة.
طلب بو صعب أثار اهتمام أهالي الناقورة الذين يتحسرون على معالم طبيعية لا يمكنهم استثمارها كما يفعل العدو في الجانب المحتل. الإجراءات العسكرية والملكية الخاصة للأراضي، يشكلان عائقاً. مايك نصار، ابن شقيقة العميل أنطوان لحد، اشترى في التسعينيات، إبان الاحتلال، من رجل الأعمال هنري صفير، الأراضي الممتدة من الرأس الأبيض حتى الحدود. صفير نفسه اشترى الأراضي من شخص من آل سعد من حيفا، كان قد سجل ملكياتها باسمه أثناء الانتداب الفرنسي. نصار الذي كان مساعداً لإيلي حبيقة خلال الحرب الأهلية، مات بصورة غامضة حيث كان يقيم في ساو باولو البرازيلية بعد شهرين من اغتيال حبيقة في 2002. منذ التحرير، لم ترد إلى البلدية تقارير بنيّة آل نصار استخدامها. فهل تُسهم الدولة بتحدي العدو وإنعاش المنطقة؟