اللبناني، المواطن العادي، ليس محظوظًا على الإطلاق:
يتطلَّع إلى الوضع الأمني فيجد الحرائق تتنقَّل، وأحدثها قبرشمون.
يتطلَّع إلى الوضع البيئي فيجد المحارق، وأحدثها محرقة بيروت.
يتطلَّع إلى التلوث فيجد الروائح المنبعثة من مطمر الكوستابرافا إلى مطمر برج حمود إلى الروائح المنبعثة من مزارع الأبقار في الشويفات والتي تصل روائحها الكريهة إلى مطار بيروت بحيث يختنق من هذه الروائح الواصلون والمغادرون.
إلى ازدحام السير الذي لم يجد المسؤولون له حلًا.
إلى التقنين الكهربائي القديم - الجديد والمتجدد الذي يضع المواطنين المستهلكين تحت رحمة أصحاب المولدات الذين لا يرحمون أحدًا حتى مع العدادات.
***
هذه المعطيات كلها مجتمعةً تجعل اللبناني في وضعٍ تعيس، ويسأل نفسه: أليس هناك من وسيلة ليكون الذين يتولَّون شؤون الناس أكثر ضميرًا مما هُم عليه؟
الأجوبة تأتي أنه بالإمكان لكن المسألة بحاجة إلى المزيد من الضغط، فالمسؤولون، وللأسف الشديد لا يعملون إلا تحت الضغط سواء أكان الشعبي او السياسي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر: مَن كان يعتقد انه كان بالإمكان تعليق الموافقة على المحرقة لمدينة بيروت، في المجلس البلدي، لولا الضغط الشعبي؟
ولنكن أكثر صراحةً: إن التأثير المعنوي الكبير والحريص والمُجدي للمطران الياس عودة هو الذي أخذ الموضوع من جانب إلى جانب آخر. فالمجلس البلدي الذي اجتمع وقرر تعليق البت بالمحرقة، تَهيَّب بالدرجة الأولى الموقف الإعتراضي
للمطران عودة وكذلك الموقف الإعتراضي لمطرانية بيروت للموارنة بالإضافة إلى بعض نواب العاصمة والفاعليات السياسية والمجتمع المدني.
الاعتراضات لم تأتِ من فراغ بل بسبب المعطيات التي يملكها المحتجون ومن أبرزها ان انبعاثات المحرقة من شأنها ان تتسبب بامراض مزمنة خصوصًا ان المراقبة في لبنان تبدو شبه معدومة.
فعن أي ضبط وانضباط؟
إذا كان المعنيون يعجزون عن ضبط معمل يحوِّل نفاياته إلى مجرى نهر الليطاني، فكيف سينجحون في ضبط المعايير العلمية والشروط الصحية لمحرقة بيروت؟
إذا كانوا يعجزون عن معالجة انبعاثات الروائح من الكوستابرافا وبرج حمود والمسلخ، فكيف سيعالجون ما هو أكبر؟
إذا كانوا عاجزين عن إيجاد معالجة للإنبعاثات المميتة من معمل الذوق الحراري فكيف سيعالجون ما هو أكبر؟
***
إن أبناء بيروت بموقفهم المعترض على المحرقة، جعلوا رئيس بلدية العاصمة ومَن معه من الموافقين على المحرقة، في مواجهةٍ مع الحقيقة وأمام ساعة الحقيقة، فكيف سيتصرفون بعد ذلك؟ لو كنا في بلدٍ يحترم بعض المسؤولين القوانين، لكان ما حصل في "جلسة المحرقة" في بلدية بيروت قد أدى إلى ان يضع رئيس البلدية استقالته في تصرف وزيرة الداخلية، فحين لا ينجح رئيس البلدية في إيجاد معالجة علمية لموضوع النفايات، فما هو المشروع الذي يعرف كيف يديره؟ هل فقط المعرفة متوقفة عند حدود تلزيم الارصفة كل سنة لمتعهدين محظوظين أو بشكل أكثر دقة لمتعهِّد محظوظ؟
***
إن ما حصل في جلسة مجلس بلدية بيروت يجب البناء عليه من أجل تبريد الرؤوس الحامية التي تعتقد أن بإمكانها التصرفُ نعمْ وألف نعمْ بالمليارات في صناديق البلديات وغيرها.