رغم التوترات الامنية والخلافات السياسية اللبنانية المتنقلة من الجبل الى طرابلس، انشغل المسؤولون اللبنانيون والفلسطينيون بمتابعة نتائج المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في "المنامة" في البحرين نهاية الشهر الماضي، تحت شعار "ورشة الازهار من اجل السلام"، بانتظار معرفة الشق السياسي من "صفقة القرن" الاميركية وفق ما أعلن كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، بأن الإدارة الأميركية ستكشف عن خطوات جديدة، حول كيفية المضي قدماً بخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وتؤكد أوساط فلسطينية لـ"النشرة"، انه على الرغم من عدم اعلان تفاصيل "الصفقة" رسميا، الا ان القرارات الاميركية المتدحرجة ضد القضية الفلسطينية والخطوات العملية، ناهيك عن التسريبات المتلاحقة لا تبشّر بالخير، بل تنذر بالاسوأ، وهي وضعت مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على نار حامية، لجهة الاصرار الاميركي على تحسين ظروف معيشتهم وصولا الى دمجهم في المجتمع اللبناني أي توطينهم بطريقة سلسة، على "قاعدة أن اللاجئين يمكن "استيعابهم" بشكل أفضل من قبل البلدان التي يعيشون فيها، وان اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات لبنان وفق كوشنير "يرغبون في رؤية "طريق لهم للحصول على مزيد من الحقوق والعيش حياة أفضل ولبنان يحب أن يرى حلاً لقضية عادلة"، على وقع تقديم اغراءات مالية لبيروت وصلت الى نحو 6 مليارات دولار اميركي كدفعة اولى، وتلميحات نفاها المسؤولون اللبنانيون اكثر من مرة، بامكانية سد العجز المالي (الدين العام) البالغ نحو 100 مليار دولار اميركي، مقابل الموافقة الرسميّة على التوطين، او مقابل ايجاد حل لمشكلة النازحين السوريين سريعا عبر اعادتهم الى بلدهم حيث ما زالت العودة حتى اليوم متعثرة لأسباب مختلفة.
مقابل هذه المخاوف والاغراءات، بلغ الحراك الفلسطيني اللبناني ذروته مع أمرين:
الاول: انعقاد الملتقى الشعبي العربي الثاني للقوى السياسية والحزبية والنقابية وقوى المقاومة العربية والإسلامية، الذي نظمه "المؤتمر الوطني السياسي الشعبي" و"المؤتمر القومي العربي"، "المؤتمر القومي الاسلامي" و"المؤتمر العام للاحزاب العربية" ومؤسسة القدس الدولية"، في فندق "كومودور" في بيروت، تحت شعار "متحدون ضد صفقة القرن"، والذي خلص الى اعلان موقف واضح وصريح برفض نتائج "مؤتمر البحرين" الاقتصادي و"صفقة القرن" الاميركية، وسط إجماع سياسي لبناني وفلسطيني على رفض التوطين، وذلك تكاملا مع الحراك الشعبي في المخيمات والذي ترجم باعلان الاضراب العام والحداد ورفع الاعلام الفلسطينية مقابل حرق الأعلام الاميركية والاسرائيلية في خطوة احتجاج، لم تشهدها المخيمات منذ وقت بعيد تزامنا مع انعقاد مؤتمر البحرين.
وقال ممثل "حركة الجهاد الاسلامي" في لبنان، احسان عطايا لـ"النشرة" اننا نرفض تحويل القضية الفلسطينية من سياسية الى مجرد مشكلة انسانية او اقتصادية، وعلى المجتمع الدولي ان يدرك ان الفلسطينيين، لن يبيعوا فلسطين ولو بأموال الدنيا كلها، مشيرا الى ان الموقف الفلسطيني الموحد من شأنه ان يحشد الدعم والتأييد لهذا الرفض الفلسطيني، حيث تأتي المؤتمرات العربية والاسلامية في بيروت لتعلن هذا الموقف الواضح.
ودعا تحويل الموقف الفلسطيني الموحد ضد نتائج مؤتمر "البحرين" الاقتصادي و"صفقة القرن" الاميركية، الى وحدة وطنية فلسطينية شاملة، تتوج بعقد لقاء موسع لكل القوى الوطنية والاسلامية وعلى أعلى المستويات، لوضع خطة واستراتيجية موحدة لمواجهة صفقة القرن التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.
الثاني: زيارة عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لحركة "فتح" والمشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، برفقة سفير دولة في لبنان أشرف دبور وامين سر حركة "فتح" وفصائل "المنظمة" في لبنان فتحي أبو العردات، على رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة والمسؤولين الرسميين وقادة الاجهزة الامنية والعسكرية والمراجع الروحية الاسلامية والمسيحية، ومسؤولي القوى السياسية الوطنية والاسلامية اللبنانية في أوسع مروحة لقاءات لشرح الموقف الفلسطيني والاوضاع في فلسطين، في ظل تصاعد الهجمة الاستيطانية التي تقودها االولايات المتحدة الاميركية بالتنسيق مع اليمين الاسرائيلي المتطرف بقيادة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تحت عنوان "صفقة القرن"، وصولا الى توحيد الموقف في سبل مواجهتها.
واعتبر الأحمد ان الوصف الافضل لهذه الصفقة هو ما يقوله الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنها "صفعة القرن" التي لا علاقة لها بالسلام وإحلاله ولا بالشرعية الدولية، مشددا ان الشعب الفلسطيني متمسك بوطنه عبر قوله "لا نقبل وطنا للفلسطينيين غير فلسطين كما لبنان وطن اللبنانيين والاردن وطن الاردنيين، فلا يمكن ان نقبل لفلسطين بديلا"، مؤكداً ان ورشة البحرين التي حاولت فيها الادارة الاميركية جمع الاموال وابتزاز اموال عربية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال سياسة التوطين هنا وهناك فشلت، قبل ان تبدأ وشُيّعت، ولن تعود ولن يستطيعوا ان ينفذوا مخططهم الاستسلامي على الشعب الفلسطيني والامة العربية.
هواجس ووحدة
وفيما عبرت أوساط فلسطينية لـ"النشرة"، عن خشيتها من توتر أمني يطال المخيمات لالهاء الشعب الفلسطيني من التصدي لـ"صفقة القرن" وخاصة في ظل الشائعات المتنقلة من مخيم الى آخر، والتي تحدثت عن توتر هنا أو هناك، أو اشكال أو محاولة اغتيال، إستبعدت اخرى ذلك، معتبرة ان الموقف الفلسطيني الموحد برفض الصفقة واعادة احياء "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" كمرجعية سياسية وأمنية للمخيمات، ناهيك عن التنسيق مع القوى السياسية والامنية اللبنانية، كفيل بقطع الطريق على أي توتير او فتنة او اقتتال داخلي، بل يؤسس لمرحلة من التماسك في المواجهة.
وهذا ما عبر عنه سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، بان دقة المرحلة وخطورتها تتطلب المزيد من الوحدة وتناسي الخلافات لمواجهة المخاطر والتحديات، معتبراً اننا في لبنان تجاوزنا المرحلة الماضية بالرغم من صعوبتها وبالجهد والعمل الفلسطيني المشترك بحكمة واقتدار وتعاون الجميع وبمستوى من الحرص والوعي الوطني الكبير، وبتأسيس ثقافة فلسطينية جامعة تنبذ الارهاب وتعزز الامن والاستقرار وبتعاون لبناني-فلسطيني مشترك، مشيرا الى أن "كل ما يحكى عن التوطين، هو في خانة التحريض، ووضع الشعبين اللبناني والفلسطيني في مواجهة بعضهما بعضا. وأن موقف الشعبين موحد في رفض التوطين"، لافتا إلى أن "لبنان دفع فاتورة الدم من أجل القضية الفلسطينية، وكان سباقا في احتضان إخوانه الفلسطينيين"، مشددا على أن "الفلسطينيين في لبنان يهمهم استقرار وسلامة هذا البلد، تماما كما اللبنانيين"، مذكرا ب"الشاب الفلسطيني الذي أصيب، أثناء محاولته إيقاف الإرهابي في طرابلس".