اعتبر النائب أسامة سعد أن ما جرى في الجبل هو أحد الأمثلة على الصراعات التي تدور بين اطراف السلطة الطائفيّة على الأحجام السياسية والنفوذ، وعلى الحصص في التعيينات وعلى الشراكات في المشاريع والالتزامات، لافتا الى انه كما جرت العادة تلجأ تلك الأطراف إلى استنفار العصبيات الطائفية والفئوية في صراعاتها، سواء بذريعة الدفاع عن المواقع المكتسبة بالنسبة للبعض، أم لاستعادة المواقع الضائعة بالنسبة للبعض الآخر.
وعبّر سعد في حديث لـ"النشرة" عن أسفه لكون اهتزاز الأمن والاستقرار وسقوط الضحايا، وما يترتّب على ذلك من نتائج كبيرة السلبية على موسم الاصطياف وعلى أوضاع البلد عموماً، هي كلها أمور لا تحظى بالاهتمام من قبل أطراف السلطة. وقال: "لقد تحوّل النظام السياسي الطائفي السائد إلى كونفدراليّة طوائف؛ ومن الواضح أنّ ما حصل في الجبل، وما حصل أو يحصل في أماكن أخرى، هو من أدوات الشغل المفضلة لدى أطراف السلطة والتي تلجأ إلى استخدامها في أغلب الأحيان. وهذه الأطراف تتحمل كلها المسؤولية عما جرى، وعما قد يجري في المستقبل".
ورأى سعد أن "نظام المحاصصة الطائفيّة بات عاجزاً عن إنقاذ لبنان من المستنقع الذي أغرقه هو نفسه في وحوله"، داعيا اللبنانيين لـ"الاتحاد حول مصالحهم الوطنية والمعيشية الحقيقية، بعيداً عن الانقسامات الطائفية والفئوية، وأن يعملوا للتغيير وبناء الدولة الوطنيّة المدنيّة العادلة، دولة الرعاية الاجتماعية والشفافية والاقتصاد المنتج".
وتطرق سعد لموضوع الموازنة، فاعتبر أن من أبرز جوانب الخلل في المشروع الذي قدمته الحكومة، ارتكازه على التوجّهات ذاتها المعتمدة منذ حوالي 30 سنة حتى اليوم، وهي التي قادت لبنان إلى الأوضاع الكارثيّة الحاليّة على كل المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. ومن أبرزها: الاستدانة حتى وصل الدين العام إلى مشارف 100 مليار دولار، مع خدمة سنوية للدين تبتلع أكثر من ثلث الموازنة واعتماد سياسة رفع سعر الفائدة، إهمال قطاعات الإنتاج (صناعة، زراعة، حرف...) لمصلحة الاقتصاد الريعي والمضاربات، تخفيض الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية إلخ... وقد ساهم ذلك في ظل تنامي معدلات البطالة إلى 30% (و40% بين الشباب)، وفي ظل الركود والكساد ننحدر إلى أزمات اجتماعية خانقة وإلى تدهور مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الفقر.
وأشار الى ان مؤتمر " سيدر" ودراسة "ماكيزي" يرتكزان أيضاً على التوجهات الفاشلة ذاتها، لافتا الى ان القروض المطروحة في المؤتمر المذكور قد تساعد على تأجيل الانهيار لمدة معينة، إلا أنها لن تعالج الأزمة، بل سوف تفاقمها من خلال زيادة حجم الدين العام.
واعتبر ان مشروع الحكومة تجاهل إمكانيّة تخفيض الإنفاق تخفيضاً كبيراً من خلال اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيض الفوائد، والاستيراد المباشر للمشتقّات النفطية، ومحاربة الهدر والفساد... الخ، كما تجاهل الواردات الكبيرة التي يمكن تحصيلها من خلال محاربة التهرب الجمركي والتهرّب الضريبي، وتحصيل حقوق الدولة في الأملاك البحريّة، إلى غير ذلك من الواردات التي لا يتمّ تحصيلها، بل تذهب إلى جيوب أطراف السلطة وحاشيتها. وأضاف: "أما ما قامت به لجنة المال فقد اقتصر عموماً على تجميد، أو تعديل، بعض الرسوم والضرائب والاقتطاعات. وذلك تلبية لمطالب القطاعات التي تتحرك في الشارع. لكن لجنة المال لم تقترب أبداً من المرتكزات والتوجّهات الأساسيّة للموازنة، على الرغم من كونها مصدر الخلل الأساسي فيها".
واستبعد سعد تخفيض عجز الموازنة إلى 7.6% كما تزعم الحكومة، تبعا لعدة اسباب ابرزها: انقضاء 7 أشهر من اعتماد القاعدة الإثني عشريّة على أساس موازنة 2018 التي وصل العجز فيها إلى ما يزيد عن 12 %، والركود والكساد في الوضع الاقتصادي ممّا يحول دون تحقيق الجبايات المقدرة. وقال: "بناء لكل ما تقدّم نحن نرفض الموازنة وتوجهاتها ومرتكزاتها، وندعو الزملاء النواب إلى رفضها أيضاً. كما ندعو كل القطاعات المتضرّرة إلى تصعيد تحركاتها، ونطالبها بالتعاون في ما بينها على طريق بناء برنامج موحّد للتحرك. كما نشدّد على دعوة كل أبناء الشعب اللبناني للتحرّك على طريق بناء الكتلة الشعبيّة الموحّدة والتحالف السياسي الوطني الديمقراطي، بهدف مواجهة السياسات والتوجهات للتحالف السلطوي–المالي المتحكّم الذي أوقع لبنان في الكارثة، ويقوده إلى خطر الانهيار".
وأشار الى ان فرض الولايات المتحدة على لبنان عقوبات تزيد من تفاقم أزماته ومآزقه، واضعا ذلك باطار السعي الى إخضاعه لسياساتها ومخططاتها في المنطقة، وفي مقدمتها "صفقة القرن" ومؤامرة التوطين. وقال: "كما ان التقارير الدوليّة وتقارير وكالات التصنيف ليست بعيدة عن تأثيرات السياسات والمخططات الأميركية".
وردّا على سؤال، اعتبر سعد ان مؤتمر البحرين فشل في تحقيق أهدافه، لافتا الى ان المقاطعة الفلسطينية الشاملة للمؤتمر، مضافة إليها مقاطعة غالبية الدول العربية، أفقدتا هذا المؤتمر أهم عوامل النجاح الذي كان يأمله رعاته. وقال: "هذا الفشل يدل على أن مشروع "صفقة القرن" لا يحظى حتى اليوم بفرص حقيقية للنجاح. غير أنّ ذلك لا يعني تخلّي أميركا عن مشروع الصفقة الذي يعبر عن السياسة الأميركية تجاه المنطقة".