احتجزت البحرية البريطانية ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق، معللة الاحتجاز بأنه يندرج في إطار خرق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وبأن الناقلة محملة بشحنة من النفط الخام وجهتها موانئ سورية.
إيران بدورها قدمت احتجاجاً رسمياً على عملية احتجاز الناقلة، لكونها نفذت في مياه دولية وضمن المسار المسموح، واصفة عملية الاحتجاز بأنها قرصنة موصوفة، مهددة بأن احتجاز الناقلة الإيرانية لن يبقى من دون رد مماثل.
روسيا أعلنت على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف أن احتجاز الناقلة الإيرانية عمل استفزازي الهدف منه توتير الأجواء في الخليج، ولزيادة ممارسة الضغط على إيران وسورية بأعلى وتيرة.
في هذا الوقت أعلنت إيران عن البدء بمرحلة تخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي رداً على استمرار العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وذلك بالتزامن مع انتهاء المهلة الإيرانية الممنوحة لدول الاتحاد الأوروبي لإيجاد الحلول الناجعة التي تضمن استمرار التبادل التجاري الاقتصادي بين أوروبا وإيران، بمعزل عن العقوبات والضغوط الأميركية، في مقابل استمرار التزام إيران بالاتفاق النووي.
لكن أوروبا بقيت في موقف المتردد، الخائف من انعكاسات الخروج من العباءة الأميركية، ولم ترتق إلى المستوى المطلوب إيرانياً.
إيران، وفي خطوة متقدمة، أعلنت يوم الأحد أنها لا تريد الاعتماد على آلية «انستكس» التي تم التوصل إليها في اجتماع فيينا الأخير لأنها لا تلبي الطلب الإيراني، وأنها تريد الاعتماد على الاقتصاد المقاوم، وان إيران سوف تلجأ إلى زيادة أجهزة الطرد المركزي في حال استمر الضغط الأميركي والتهرب الأوروبي من التزاماته تجاه إيران.
مساعد وزير الخارجية الإيراني جواد عرقجي أعلن في مؤتمر صحفي أن إيران سوف تنفذ الخطوة الثالثة في مسار التحلل من الاتفاق، لكنها ستبقي الخطوة الثالثة خلف الستار إلى حين اتخاذ قرار التنفيذ. وأضاف إن إيران لا تريد لقاءات دبلوماسية من دون جدوى، لكنها ستبقي الأبواب مفتوحة للتفاوض شرط الوصول إلى ما يحفظ المصالح الإيرانية. وفي ملاحظة على بدء مرحلة الهجوم الإيراني دبلوماسياً، قال عرقجي إننا في إيران لا نريد الخروج من الاتفاق النووي، لكننا لم نعد نعترف بصيغة «الخمسة + واحد» بعد الانسحاب الأميركي، وأنه الآن أصبحت الصيغة عبارة عن «أربعة + واحد» ولا مانع من حضور أميركا اجتماعات دول الصيغة الجديدة بشرط رفع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. وهنا بيت القصيد، في إشارة إلى ترك الباب مفتوحاً أمام تنفيذ صيغة جديدة تبقي إيران في رأس السلم لأنها صاحبة الحق وتبقي أميركا باحثة عن منفذ صوب إيران.
وقد صرح رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قبل يوم واحد أن الاتفاق النووي هو اتفاق مغلق ولا يمكن البحث به مراراً، مضيفاً إن الدول التي بقيت ضمن الاتفاق قدمت تعهدات بتعويض الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأميركي والمطلوب تنفيذ تلك التعهدات التي قدمها الأوروبيون أنفسهم في اجتماعات سابقة، لكن حتى اللحظة لم نلمس النية الصادقة لتنفيذ أي من تلك التعهدات.
أمام هده الصورة، تبدو إيران ثابتة وأكثر تمسكاً بمواقفها لمواجهة الضغوط بضغوط مضادة، تاركة باب التفاوض مفتوحاً مع الاتحاد الأوروبي. وما اتصال الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بالرئيس الإيراني حسن روحاني إلا محاولة فرنسية لإعطاء الاتحاد الأوروبي فرصة جديدة لإيجاد الحلول الناجعة التي ترضي كل الأطراف، والإيفاء بتعهدات أوروبا مع إيران.
رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي فقد أي أمل بتوجيه ضربة عسكرية أميركية ضد إيران، والذي تابع المؤتمر الصحفي الإيراني، بادر إلى تحريض الاتحاد الأوروبي على رفض المقترحات الإيرانية، واللجوء إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران، وذلك في محاولة لقطع الطريق أمام أي إمكانية للتوصل إلى نقطة التقاء أو إلى تفاهم يحفظ المصالح بين الاتحاد الأوروبي وإيران.
كل الضغوط على إيران شكلت حلقة متكاملة مؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، واستطراداً دول الخليج العربي، والهدف هو جرّ الجمهورية الإسلامية في إيران إلى تفاهمات جديدة تتماشى وسياسات البلطجة الأميركية الإسرائيلية لتبقى أوروبا الأضعف في هذه الحلقة، متأرجحة بين التلطّي بعباءة أميركا أو الخروج منها نحو بناء اقتصاد مع إيران.
إن إيران، ومن خلال اتباع دبلوماسية حياكة السجادة العجمية، تسير بخطا ثابتة نحو فكفكة هذه الحلقة من خلال إغراءات تأمين مصالح الاتحاد الأوروبي بدعم وتشجيع من روسيا تحديداً، ولو تأمن فعل ذلك فسيصبح الدور الأميركي كاللاعب الذي يلهث في ملعب يبحث عن تحقيق هدف التعادل قبل انتهاء الوقت المحدد.
وبانتظار إزاحة الستارة عن الخطوة الإيرانية الثالثة التي أبقتها سرية إلى حين، يبدو أن إيران ما تزال تمتلك الكثير من أوراق الضغط المضاد التي تجيد استعمالها في الزمان والمكان المناسبين.
والى حين تظهير باقي بطاقات الضغط، فإن منطقة الخليج ستبقى عرضة لاهتزازات سياسية ضاغطة وعسكرية متنقلة، من دون أن تؤدي إلى حرب، وخصوصاً بعد إعلان جميع الأطراف عدم الرغبة في الانزلاق نحو الحرب.