ان العملية الجديدة التي نفذها، مقاوم فلسطيني، اول امس في القدس المحتلة، بدهس مجموعة من جنود الاحتلال، بسيارته، لحظة نزولهم من حافلتهم العسكرية، وأدت إلى إصابة أربعة جنود بينهم ضابط، تشكل استمراراً لعمليات شبان الانتفاضة الفلسطينية المتواصلة على نحو متقطع، نظراً للظروف الموضوعية التي تواجه الشعب العربي الفلسطيني تحت الاحتلال والمتمثلة في تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، وإقامة جدار الفصل العنصري، وانتشار مئات الحواجز العسكرية الصهيونية.. الخ وهذا يؤكد مجدداً فشل كل الإجراءات الأمنية الصهيونية المتخذة والمتجددة في أعقاب كل عملية فدائية، في وقف مثل هذه العمليات لعدم القدرة على امتلاك معلومات مسبقة عنها.. غير أن ما يميز العملية الجديدة إلى جانب كونها تأتي في سياق المقاومة الشعبية ضد الاحتلال ومستوطنيه، التوقيت، واختيار المكان، والرسائل التي تبعث بها في هذا الظرف بالذات التي تواجه فيها قضية فلسطين مخططاً خطيراً يستهدف تصفيتها..
على صعيد التوقيت، تأتي العملية لتشكل ردا مباشرا على صفقة القرن الأميركية الصهيونية الهادفة الى مقايضة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بحفنة من الدولارات، والقول بأن المقاومة الشعبية بكل أشكالها هي السبيل لمواجهة مثل هذه الصفقات الاستسلامية، وان شعب فلسطين وفي المقدمة الجيل الذي نشأ في ظل اتفاق أوسلو، لم تتراجع عزيمته أو يقبل التعايش مع الأمر الواقع ويسلم بالتخلي عن قضيته وحقوقه في وطنه..
وعلى صعيد المكان، فإن حصول العملية في القدس المحتلة يأتي في سياق ازدياد المقاومة في مواجهة اشتداد الهجوم الصهيوني الاستيطاني على الأرض والمقدسات في المدينة في محاولة لإحداث تغيير في هويتها العربية والوضع الديمغرافي فيها..
أما لناحية الرسائل التي أريد توجيهها من خلال هذه العملية فهي:
الرسالة الاولى: التأكيد بأن المقاومة والانتفاضة الفلسطينية متواصلة ولن تتوقف كما يراهن الاحتلال من خلال تشديد عملياته القمعية والإرهابية، وان أمن جنود الاحتلال والمستوطنين لن يتحقق ولن ينعم الكيان الصهيوني بالاستقرار طالما أن الشعب العربي الفلسطيني مسلوبة حقوقه ويفتقد للأمن ويحرم من حقه في تقرير مصيره على أرضه..
الرسالة الثانية: موجهة ضد الأنظمة الرجعية العربية المنخرطة في مخطط التآمر على قضية فلسطين، والقيام بمساعدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو على محاولة تمرير صفقة القرن وتمكن الكيان الصهيوني من حسم الصراع لمصلحة روايته المزيفة، وتشريع وجوده كدولة يهودية عنصرية على أرض فلسطين المحتلة ونفي وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه فيها، وبالتالي إقامة العلاقات الطبيعية مع هذا الكيان الاحتلالي وتمكينه من التسيّد على المنطقة وإلغاء هوية وعروبة الأمة العربية.. فالعملية تسقط محاولات هذه الأنظمة بث ثقافة الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع وعدم الجدوى من مقاومته، وهي توجه صفعة قوية لهذه الأنظمة الخائنة لقضية الأمة المركزية، مؤكدة بأن شباب فلسطين متمسكون بالمقاومة الشعبية بكل أشكالها في مواجهة المحتل، وان ثقافة المقاومة ستبقى هي السائدة لتحرير فلسطين لا سيما أن التجارب أثبتت أن هذه المقاومة هي الوحيدة القادرة على تحرير الأرض واستعادة الحقوق وحماية عروبة فلسطين، من جنوب لبنان إلى قطاع غزة، فيما الدخول في مسار التفاوض وتوقيع الاتفاقيات مع المحتل لم يعد أرضاً محتلة ولا حقوق سليبة، بل على العكس فإن الاحتلال ازداد غطرسة وسرقة للحقوق والأرض في ظل اتفاقيات أوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد.. التي شجعته على التمادي في استيطان وتهديد الأرض الفلسطينية وتنفيذ مخططاته لاغتصاب الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني..
الرسالة الثالثة: فهي موجهة إلى ترامب ونتنياهو، بأن شباب فلسطين يرفضون الاستسلام والتخلي عن حقوقهم مقابل حفنة من الدولارات، وهم مستعدون لمواصلة المقاومة وتقديم التضحيات في سبيل الحفاظ على الحقوق ورفض التخلي عنها..
الرسالة الرابعة: الرد القوي على الممارسات الإرهابية التعسفية للاحتلال وسياساته القائمة على التنكيل والعقاب الجماعي والتي كان آخر فصولها ضد سكان بلدة العيسوية في القدس المحتلة حيث اقدم الاحتلال على محاصرة البلدة ونشر الحواجز على مداخلها والقيام بعمليات قمع واعتداء وإعدام أحد شباب البلدة إثر مواجهات اندلعت بين شبان العيسوية وجنود الاحتلال.. كما جاءت العملية الفدائية رداً مباشراً على مشاركة السفير الأميركي الصهيوني الانتماء فريدمان، في افتتاح طريق تحت بلدة سلوان في القدس المحتلة بما يمكن المستوطنين الصهاينة من الوصول إلى المسجد الأقصى، نظمته جمعية ايعاد الاستيطانية والتي حمل خلالها فريدمان مطرقة بيده للمشاركة مع قادة الاستيطان في هدم الجدار لفتح طريق العبور للمستوطنين.. بما يؤكد تماهي إدارة ترامب مع اليمين الصهيوني المتطرف.. الأمر الذي دفع صحيفة هآرتس الصهيونية إلى وصف هذا التصرف للسفير الأميركي بانه «انفصال مقلق عن الواقع»…
خلاصة القول، إن عملية الدهس في القدس جاءت لتؤكد من جديد بأن مقاومة شبان الانتفاضة لم تتوقف وهي تتكامل مع مسيرات العودة المتواصلة على حدود قطاع غزة مع الأراضي المحتلة عام 1948.. وترسم المشهد الفلسطيني في مواجهة الاحتلال واستهداف قدراته.. وإفهامه بأن المقاومة الفلسطينية لم ولن تستكين وهي مستمرة دفاعاً عن الحقوق وعروبة فلسطين والمقدسات، وأن الاحتلال مهما تجبّر وارتكب الجرائم ضد الفلسطينيين لإخماد مقاومتهم وإخضاعهم، لن ينجح في تحقيق اهدافه، لأن إرادة المقاومة لدى أبناء فلسطين أقوى من جبروت وإرهاب المحتل.