بالرغم مما قد يبدو للبعض مراوحة تشهدها الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد بعد حادثة الجبل قبل نحو أسبوعين، ما يهدد بمزيد من التعقيد، تؤكد مصادر متابعة لحراك مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن وساطته ومهمّته مستمرة وان كان البعض وجد أنها طالت بعض الشيء، لافتة الى انه يعتمد سياسة "الحل على الناعم" وفكفكة العقد الواحدة تلو الأخرى بعجلة ولكن من دون استعجال لضمان النتائج المرجوة، مذكّرة بأن معظم المهام التي تولاها تطلبت بعض الوقت لكنها في نهاية المطاف كُللت بالنجاح.
ولا تزال خطّة ابراهيم تقوم على 3 أسس، تهدئة الخطاب الاعلامي، سلوك المسار الامني والقضائي، والذي يقضي بشكل اساسي بتسليم المطلوبين من الطرفين المعنيين اي الحزب "التقدمي الاشتراكي" والحزب "الديمقراطي اللبناني"، وأخيرا على مرحلة اخيرة تلحظ صلحة يقوم بها رئيس الجمهورية بين الزعيمين الدرزيين وليد جنبلاط وطلال ارسلان على ان يتم السير بوقت لاحق بـ"المجلس العدلي" بالتراضي أي بشروط اشتراكية محدّدة.
وتشير المصادر الى أن مشروع اللواء ابراهيم لا يقارب موضوع الحكومة المتروك البت به لرؤساء الجمهورية ومجلس النوّاب ومجلس الوزراء، علما ان الموقف الذي نقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أخيرا لجهة ربطه الدعوة لجلسات مناقشة الموازنة بالدعوة لجلسة حكومية قد يشكل نوعا من المخرج الذي يحفظ ماء وجه الجميع، باعتبار ان اقرار الموازنة المتأخرة أصلا 7 أشهر مطلب أساسي لكل الفرقاء وللمجتمع الدولي، ما سيدفع كل الفرقاء لتحمل مسؤولياتهم ومحاولة سحب فتيل الانفجار من طاولة مجلس الوزراء، من خلال التفاهم على عدم البت بموضوع الإحالة الى المجلس العدلي في أيّة جلسة تعقد قريبا من دون ان يُسحب هذا المطلب من المفاوضات القائمة.
واذا كان حزب الله و"الوطني الحر" يحرصان كل الحرص على عودة العجلة الحكوميّة للدوران، فانّ استمرار المير ارسلان بخطابه التصعيدي واصراره يوميا على الاحالة الى المجلس العدلي، يبدو مفهوما للمصادر المتابعة التي تعتبر ان أحدا من الفرقاء وبخاصة حلفاء رئيس "الديمقراطي اللبناني" لا يتوقع أن يسحب هذا المطلب الذي سيصوّر كخسارة له وللفريق السياسي الذي ينتمي اليه في الكباش المستمر مع المختارة وحلفائها. وتضيف المصادر: "ارسلان يتصرف حاليا من منطلق اقتناعه بأن حليفيه الرئيسيين حزب الله والوطني الحر يتعاملان معه وفق المنطق القائل: "عرف الجميل مكانه فتدلّل"، باشارة الى انه يعي تماما أنهما لن يتخلّيا عنه في منتصف الطريق، خاصة وان هناك مصالح لهما بالتمسك به وتقويته".
وتستبعد المصادر أن تسلك الامور أيّ منحى تصعيدي في الايام المقبلة أكثر ممّا هي عليه راهنًا، وان كان الحل سيستلزم مزيدا من الوقت، لافتة الى ان "العقوبات الأخيرة التي فرضت على نواب بحزب الله زادت المشهد تعقيدا، لا سيّما وان زعيم المختارة قد يكون قد قرأ بالمستجدات الأخيرة رسالة دعم أميركيّة من خلال قصف سياسي نفذّته واشنطن قد يؤدّي الى تشدّد جنبلاطي في التعاطي مع ملف حادثة الجبل".
بالمحصّلة، يبدو واضحا أنّ الوضع دقيق لكنه لم يخرج عن السيطرة، وهو لا شك يتطلب نفسا طويلا من كل الفرقاء المطالبين بالحفاظ على حدّ أدنى من التعقّل لتجنب انفجار الوضع من جديد.