تشي المؤشرات المتسارعة على الساحتين الدولية والإقليمية بأن منطقة الشرق الأوسط باتت على موعد أمام مروحة واسعة من التحولات، لا سيما على مستوى العلاقات الأميركية-الإيرانية، حيث لم تنجح كل الضغوط التي تمارسها واشنطن في تحقيق الأهداف المرجوّة منها، أي إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
بالتزامن، لا يمكن تجاهل زيارة أمير قطر تميم بن حمد إلى الولايات المتّحدة، وسط الصراع السعودي-القطري المعروف، خصوصاً أن الرياض باتت الوجهة المفضلة للإدارة الأميركية منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث وقّع الجانبان عقود ضخمة في قطاعات النفط والصناعة الجوية والتسلح بلغت قيمتها مليارات الدولارات، من دون تجاهل النجاح في التوصل إلى إتفاق مع حركة "طالبان" في أفغانستان، بعد مفاوضات حصلت في العاصمة القطرية الدوحة.
في الفترة السابقة، لا سيما بعد فرض واشنطن عقوبات على المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، عقب إسقاط طهران لطائرة استطلاع أميركية، ظنّ الكثيرون بأن الأمور ذاهبة إلى التفاوض بين الجانبين، لا سيما بعد الزيارات التي قام بها مبعوثون يابان وعمانيون وعراقيون إلى طهران، إلا أن الإعلان الإيراني عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم أعاد خلط الأوراق.
في هذا الوقت، حاولت الدول الأوروبية الدخول بقوة على خط الأزمة، من خلال رسائل التحذير التي وجهت إلى طهران من خرق الإتفاق النووي، بالرغم من عجزها عن الإيفاء بالتعهدات التي كانت قد قطعتها في الفترة السابقة، لكن المراقبين للأحداث رسموا الكثير من الصور لزيارة إيمانويل بون، مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تم الترويج لها على أساس أنها قد تمثل الخلاص للأزمة، لكن من الناحية العملية هي لم تحمل أي جديد يذكر، إذ أن المسؤولين الإيرانيين شددوا على أن الجهود التي تبذل لإقناع طهران يجب أن توجه لإقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن عقوباتها على إيران، للبدء بأي مفاوضات.
في ظل هذا الواقع، توالت التهديدات الأميركية لطهران، لا سيما من جانب ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، في حين كانت واشنطن قد تعمّدت التصعيد على الساحة اللبنانية، عبر فرض المزيد من العقوبات على "حزب الله"، شملت للمرة الأولى نائبين من كتلة "الوفاء للمقاومة" هما محمد رعد وأمين شري، بالإضافة إلى مسؤول لجنة الإرتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، مقابل الإعلان عن التراجع عن خطوة التهديد بفرض عقوبات على وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف.
على المقلب الخليجي، كان لافتاً هذا الأسبوع الإستدارة التي قامت بها الإمارات العربية المتحدة، بعد خروجها من التحالف العربي في اليمن. هذه المراوغة الإماراتية لا يمكن إخراجها من سياق ما يحصل بين إيران والدول الخليجية، إذ سبق هذه الخطوة زيارة سرية لوفد إماراتي لطهران للبحث حول سبل إعادة العلاقات بين البلدين لما كانت عليه. إلا أن رد طهران كان الرفض خصوصاً وأن الإمارات "اجتازت الخطوط الحمر" في العلاقة مع ايران.
وتعتبر خطوة الخروج من التحالف خطوة إماراتية للأمام للتقرب من الجمهورية الاسلامية، بعدما وجدت عدم جدية في خطوات الرئيس الأميركي للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. ورغم تمسك القيادة الإيرانية في رفضها التقرّب الإماراتي، كان الرد الأول من ظريف، الذي اعتبر أن "هناك مؤشرات على احتمال اتباع الإمارات سياسات جديدة بالمنطقة، وهذا سيصبّ في مصلحة حكومتها".
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن جميع القوى، لا سيما على مستوى العلاقات الأميركية-الإيرانية، تبحث عن تسوية ما، لكن السؤال الجوهري يبقى عن موعدها، خصوصاً أن رفع مستوى التخصيب الذي بدأته أعلنت أنه قابل للعودة عنه بما يعني أنها ترفع السقف للتفاوض، بينما الخطوات التي قامت بها واشنطن من المعروف، منذ اليوم الأول، أن الهدف المطلوب منها هو الوصول إلى مرحلة المفاوضات.