في ذروة الإنشغال السياسي والأمني اللبناني في تطويق أحداث الجبل والخلافات لعودة مجلس الوزراء الى الالتئام، وتوفير الاجواء الهادئة لاقرار الموازنة والنهوض بالاقتصاد المتردي الذي بات على حافة الهاوية، عاد الملفّ الفلسطيني الى واجهة الاهتمام من تطورين بارزين، طرحا جملة من التساؤلات وعلامات الاستفهام والاستغراب حول الاصرار على ضرب العلاقة اللبنانية–الفلسطينية، في الوقت الذي كان الفلسطينيون يأملون منحهم الحقوق المدنية والاجتماعية والانسانية كاملة.
التطور الاول: تمثل باستهداف لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني، بعد شهرين ونيف على إنطلاق عملها، بهدف تعطيل جلساتها ومنع وصولها الى قواسم مشتركة، عبر نشر "معلومات مغلوطة" و"تسريبات"بهدف تأليب الرأي العام اللبناني، لوقف جلساتها وتعطيل نتائجها التي يعوّل عليها كجزء لا يتجزأ من الموقف اللبناني والفلسطيني بوجه صفقة القرن وتداعياتها.
وقد أكد عضو "اللجنة" ومسؤول "حزب الشعب الفلسطيني"، في لبنان غسان أيوب استهجان "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني"، من نشر "معلومات مغلوطة" ولاكثر من مرة خلال هذا العام مؤكدا"أن اللجنة أصدرت توضيحا أكدت فيه "ان الوثيقة الوحيدة المتداولة حول قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان هي تلك التي وضعتها مجموعة العمل اللبنانية التي تشكلت من الأحزاب الرئيسية الستة في لبنان وتحمل العنوان التالي”رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان".
التطوّر الثاني: الحملة التي تقوم بها وزارة العمل بملاحقة العمال الفلسطينيين في أماكن عملهم والقيام بتحرير محاضر ضبط قانونيّة وماليّة بحق مشغّليهم،تحت شعار "مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية،عبر اقفال مؤسسات يملكها فلسطينيون في لبنان، حيث بدأت من الشمال وامتدت الى بعض المناطق ومنها صور، وتتوالى الانباء عن توقيف مجموعة من العمال الفلسطينيين هنا، وطردهم من هناك، بسبب عدم حصولهم على اجازة عمل، وسط مخاوف جدّية من تصاعد وتيرتها مطلع الاسبوع الجاري، ما ينذر بتوتر العلاقة بين الطرفين، خلافا للموقف الموحد والمشترك من أهمية دعم صمود اللاجىء الفلسطيني في المخيمات.
بين التطورين، عبرالفلسطينيون وخاصة العمال ورجالالاعمال منهم عن اعتزازهم بأهمية دورهم في المساهمة ببناء وازدهار الاقتصاد اللبناني على مدى العقود الماضية، حيث كانوا اليد العاملة الرئيسية في مجالات البناء والاعمار والزراعة والصناعة التجارة، وان كثيرا من منهم ساهموا في النهضة العمرانية في المدن اللبنانية، ناهيك عن مداخليهم المالية التي يجري صرفها في لبنان سواء للعاملين فيه او المغتربين الذين يرسلون شهريا اموالا الى ذويهم واقاربهم لمساعدتهم على العيش بكرامة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة.
وقد تفاوتت التعليقات، فقال بعضهم "لن اقبل باقفال باب رزقي وسأقاوم"، والبعض الاخر هدد بحرق نفسه لان "الموت أهون عليهم من ذل السؤال"، والبعض الثالث قال "لن أقف طويلا أمام دكاني اذا ختموه بالشمع الاحمر، لن القي بنفسي في مراكب الموت او بين يدي سماسرة اللجوء، بل سأعود فدائيا كأسلافي وأتوجه جنوبا، القي قنبلة او اطلق رصاصة، فانا فلسطيني ولن أموت ذلاّ ولا قهرا، بل شهيدا على الحدود"، وعلق الرابع "يمنع الفلسطيني من التملك بحجة"لاجىء"، ويمنع من العمل بحجة "أجنبي". والاجنبي أصلا يتملك"، بينما وصل اخرون الى حد القول "الحل الوحيد لوقف سياسة الظلم والاجحاف بحق شعبنا واجراءات الذلّ وآخر الخطوات البدء بتوقيف العمّال واغلاق المحال التجارية، يستدعي اغلاق جميع المخيّمات في لبنان وخلّي دخان الدواليب يتحوّل الى غيوم بالسماء".
وفي المعالجةالسياسية، أجرى السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، سلسلة اتصالات مع المسؤولين اللبنانيين، جرى خلالها بحث الإجراءات الأخيرة والجوانب السلبية التي تطال اللاجئ الفلسطيني خاصة وأننا في مرحلة من اللقاءات اللبنانية-الفلسطينية لايجاد الحلول المناسبة وفقا لتوصيات مجموعة العمل والرؤية اللبنانية في معالجة الملف الفلسطيني، وتنفيذ وتطبيق قانون العمل المعدل رقم 129 بتاريخ 17-8-2010 والذي عدل المادة 59 منه ولغاية الآن بانتظار مرسوم الآلية التطبيقية للتعديل مما يسمح للفلسطيني بالعمل والحياة الكريمة"، داعيا "الحكومة اللبنانية إلى استثناء الفلسطينيين الموجودين قسرا على الاراضي اللبنانية من هذه الاجراءات، خاصة واننا كلبنانيين وفلسطينيين في خضم مرحلة من الموقف والتعاون المشترك لمواجهة تبعات صفقة القرن ومشاريع التوطين".
واستغربت قيادة فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" الاجراءات، مؤكدة أن هذا التصرف الذي يقوم به موظفو وزارة العمل اللبنانية لا ينسجم مع الموقف اللبناني الرسمي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني والرافض لما يسمى بـ"صفقة القرن" الذي صدر عن رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء في لبنان،ولا ينسجم أيضا مع وحدة الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني واللبناني الرافض لمؤامرة التوطين،التي لا يكون التصدي لها بالتضييق على اللاجئين الفلسطنيين،وبإغلاق أبواب الحياة أمامهم وتجويعهم،بل بتعزيز صمودهم وقدرتهم على مقاومة كافة المشاريع والمؤامرات التي تستهدف حق عودتهم،بما فيها مشروع التوطين.
بينما اكدت قيادة "تحالف القوى الفلسطينية" في لبنان، ان مواجهة "صفقة القرن" الأميركية تمر من بوابة منح اللاجئين حقوقهم وعدم ملاحقتهم في أعمالهم، واصفة إجراءات وزارة العمل بـ"الجائرة بحق شعبنا الفلسطيني في لبنان، تسيء إلى العلاقات اللبنانية الفلسطينية".
ووصفتاللجان الشعبية لـ"تحالف القوى الفلسطينية" و"القوى الاسلامية" و"انصار الله"، الاجراءات انها "سياسة تجويع وتهجير للشعب الفلسطيني ودعوة مبطنة لركوب قوارب الموت بحثا عن لقمة العيش والكرامة بعيدا عن فلسطين"، معلنة تنظيم اعتصام اليوم (الاثنين)امام مكتب الصاعقة عند مفرق سوق الخضار في مخيّم عين الحلوة تعبيرا لرفض ما يحصل، كما اعلنت المبادرة الشعبية في عين الحلوة تنظيم اعتصام الساعة الخامسة من بعد عصر يوم الثلاثاء أمام مسجد الفاروق في الشارع الفوقاني للمخيم.
وكان رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة" الشيخ ماهر حمود، قد اثار هذا الموضوع في خطبة الجمعة.