"ممنوع"... كلمة أصبحت مرادفة لوجود اللاجئ الفلسطيني في لبنان، حَفِظَهِا عن ظهر قلب، لأنّه يعيش تداعياتها بشكل يومي في كافة مناحي الحياة.
ومطلوب دائماً أنْ يُدافع عن نفسه من تهمة لم يقترفها، بل المطلوب إثبات براءته.
وهو بحاجة إلى استثناء، يرتبط وفق الاعتبارات السياسية والاستنسابية، من قِبل المسؤول في المجال الذي تتعلّق به القضية.
فقد استأثر بالاهتمام خلال الأيام الماضية، إقدام مفتّشي وزارة العمل على تنفيذ قرارات إغلاق مؤسّسات تجارية يملكها فلسطينيون، بذريعة حاجة الفلسطيني إلى إجازة رب عمل وعامل.
واستهل ذلك بإقفال "مؤسّسة زياد عارف للسيراميك"، التي يملكها الفلسطيني زياد عارف الحاج
محمود في منطقة الكورة بالشمال، يوم الخميس 11 تموز 2019، في سابقة خطيرة تُنذِر بعواقب سلبية بالغة الخطورة، وما أشعل وسائل التواصل الاجتماعي والحراك السياسي.
وأَوْلى سفير دولة فلسطين لدى لبنان أشرف دبور اهتماماً بمتابعة القضية مع المسؤولين اللبنانيين لمعالجة مخاطرها وذيولها، وتلقّى وعوداً بالمعالجة السريعة لذلك، ورفض مثل هذه التصرّفات.
لكن الأخطر أنّ هذه الخطوة التي تضر وتهدّد مصير أرباب العمل والعمّال الفلسطينيين، تتجاوز ذلك لتطال كل مناحي الحياة في لبنان، فتُسيء إلى سمعة لبنان، وموقفه الداعم للقضية الفلسطينية.
بازار المزايدات
سواء أكان مَنْ ينفّذون التعليمات يدرون أو لا يدرون مخاطر الأمر، فإنّ توقيت ذلك صُنّف في إطار "بازار المزايدات" بين "التيار الوطني الحر" و"القوّات اللبنانية" بملف النازحين السوريين، ليطال اللاجئين الفلسطينيين، لكسب تأييد الشارع المسيحي بشكل خاص، ورسائل ذات أبعاد دولية بشكل أدق، وتسجيل رقم بالإنذارات المُسطّرة، والإقفالات لمؤسّسات تجارية يملكها فلسطينيون بالذات، ووزير العمل كميل أبو سليمان من وزراء "القوّات" في الحكومة!
لعل الحظ العاثر لـ"عارف" أنّ مؤسّسته تقع في دائرة الشمال الانتخابية الثالثة، الكورة مع
بشري، زغرتا والبترون، حيث الصراع نحو رئاسة الجمهورية بين رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ورئيس حزب "القوّات اللبنانية" سمير جعجع، فدفع الضريبة مُبكراً!
الغرابة أنّ ما يحصل يتم في ظل أفضل العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، والشكر الفلسطيني للمسؤولين اللبنانيين على موقفهم من "صفقة القرن"، وعدم المشاركة في "ورشة البحرين"، حيث أكدوا بدورهم أنّ الموقف الفلسطيني، وفي طليعته موقف الرئيس محمود عباس برفض الصفقة، هو الذي أدّى إلى إفشال "ورشة البحرين"، وبالتالي إفشال الصفقة.
ويشهد العالم للفلسطينيين أنّ رفضهم لـ"صفقة القرن" و"ورشة البحرين"، قد أدّى إلى إفشالها، وهو ما أقرَّ به مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، في ظل مُحاولات تحويل القضية من سياسية إلى ملفات اقتصادية، وفي أساسياتها قضية اللاجئين، وفي الجانب الاقتصادي العمالة لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تعمل الإدارة الأميركية والكيان الإسرائيلي على توطينهم في أماكن لجوئهم، أو تشتيتهم وتوزيعهم على أماكن أخرى جديدة، وهو ما يرفضه الفلسطينيون، كما الدول المُضيفة.
هذا يستوجب تحصين الفلسطيني بصموده في مواجهة كافة المؤامرات والمخطّطات من خلال
تأمين العيش الكريم واللائق له ولعائلته، إلى حين العودة إلى أرض الوطن، التي يتمسّك بها من جيل إلى آخر.
وفي لبنان، يُؤكّد الفلسطيني تمسّكه بحق العودة، وكان يأمل أنْ يتم إقرار حقوقه الاجتماعية والمعيشية والمدنية وحق التملّك، التي تحسّن من ظروف حياته، ولا تعني القبول بالتوطين.
والكثير من الفلسطينيين، الذين يمتلكون جنسيات أجنبية، يُسارعون بالعودة إلى فلسطين في أوّل فرصة تُتاح لهم.
وإنْ كان البعض يعتبر أنّ إجراءات وزارة العمل تأتي ضمن خطّتها لمكافحة العمالة الأجنبية، فإنّ العامل الفلسطيني غير معني بالأجنبي، الذي بإمكانه العودة إلى دولته، ذات السيادة والاستقلال، وليست واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعمل على "ترانسفير" ضد الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين عبر "قانون القومية" العنصري.
لذلك، فإنّ خطورة خطوة وزارة العمل، باستهداف إجراءاتها اللاجئين الفلسطينيين المولودين في لبنان، والمسجّلين في إحصاءات وزارة الداخلية ووكالة "الأونروا"، غير موفّقة وغير مؤاتية، لتطرح شكوكاً عديدة لجهة إقفال المؤسّسات، التي يمتلكها فلسطينيون، وهي مُسجّلة في السجل التجاري والغرف التجارية، وأيضاً مستوفيةٍ لشروط مُتعدّدة من وزارات مختلفة.
دعم لبناني
وتؤكد القيادات السياسية اللبنانية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوزراء والنوّاب والقيادات الروحية والسياسية والرسمية والأمنية والعسكرية والحزبية، دعمهم للقضية الفلسطينية، ورفض المؤامرة المستهدف تصفيتها، والتي يتشظّى منها لبنان المحتضن للاجئين الفلسطينيين، وتأكيدهم على دعم حق العودة للاجئين.
هذه المواقف تُقابل بإثبات فلسطيني بالملموس، دعم حفظ الأمن والاستقرار في لبنان، وظهر ذلك بوضوح في الأزمات والمحن التي مرَّ بها، بل إنّ الفلسطيني كان شريكاً بمحاربة الإرهاب، وهو ما تجلّى بنبل وشجاعة الشاب الفلسطيني صابر ناصر مراد، بافتداء نفسه بالتصدّي للإرهابي عبد الرحمن مبسوط، خلال تنفيذ مُخطّطه التفجيري في طرابلس، ما أربك خططه، وأنقذ حياة العشرات من ضبّاط وجنود الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والمواطنين في "عاصمة الشمال" عشيّة عيد الفطر المبارك.
كما أنّ مُوفد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضو اللجنتين التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" والمركزية لحركة "فتح" والمشرف العام على الساحة اللبنانية عزام الأحمد زار على
رأس وفد ضم: السفير أشرف دبور وأمين سر قيادة الساحة لحركة "فتح" وفصائل "منظّمة التحرير الفلسطينية" في لبنان فتحي أبو العردات مختلف القيادات اللبنانية، حيث جرى التأكيد على متانة العلاقات اللبنانية - الفلسطينية.
ومن بين مَنْ زارهم رئيس "حزب القوّات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، الذي هو مَنْ سمّى الوزير أبو سليمان لوزارة العمل، لتكون الزيارة الأولى للأحمد إلى معراب، والتي تعرّض إثرها إلى هجمة شرسة انتقادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي!
الفلسطيني الضحية!
وثبت بالملموس أنّه مع كل حدث تشنّج أو توتّر في لبنان، يكون الفلسطيني الضحية، حيث صدر سابقاً قرار بحرمان الفلسطيني من التملّك في لبنان، والآن في ظل التجاذب السياسي، والأحداث المتنقّلة سياسياً وأمنياً يخشى الفلسطينيون أنْ يكونوا "كبش محرقة".
وتجارب ما حقّقته فلسطين في الأمم المتحدة في العام 1974، من انتزاع "منظّمة التحرير الفلسطينية" مقعداً، دفعت ضريبته في الحرب العبثية التي وقعت في لبنان في نيسان 1975، وما تلاها من غزو لبنان في حزيران 1982، ومن ثم أحداث مُتعدّدة، وهجرة الشباب الفلسطيني إلى الدول الأوروبية التي فتحت أبوابها.
هذه الهجرة التي تقدّم الكثير من العائلات الفلسطينية على خوض غمارها، على الرغم من التكاليف الباهظة والمخاطر حتى الغرق في البحار بحثاً عن ملاذ!
والآن تنفيذ بنود "صفقة القرن" بعناوين مُتعدّدة، تحتاج إلى استفزاز الفلسطيني وزجّه في تجاذبات داخلية، ومنها لبنانية، لإيقاع شرخ مع أهله وحلفائه اللبنانيين.
وإذا كان الوعي لدى الحريصين في لبنان قد أفشل مُخطّطات التوتير والفتن المُغذّات من الإدارة الأميركية وأطراف أخرى، فإنّ الجميع يُدرك أنّ الفلسطيني مُقاتل شرس حتى الرمق الأخير ومُصالِح وفي، وهو كما رفض مُحاولات زجّه خلال السنوات الأخيرة، في أتون صراعات طائفية أو مذهبية أو مناطقية، فإنه يُصرّ على رفض أنْ يكون "صندوق بريد" أو وقوداً في أي أجندات، ويؤكد تمسّكه بحفظه أمن واستقرار لبنان، والمساهمة في ازدهاره ونموه، وهو ما ثبت منذ النكبة حتى اليوم.
اللاجئ الذي يتحمّل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة يرفض إملاءات وتحريضات من قِبل بعض السفارات والمُنظّمات الدولية لتحرّك الفلسطينيين ضد لبنان تحت عنوان مُمارسة "التمييز العنصري"، لأنّ لذلك مخاطر مُتعدّدة!
ومن أجل الحفاظ على كرامة اللاجئ الفلسطيني في لبنان، مطلوب مُعالجة هادئة وضمن القانون
الذي يلتزم به اللاجئ مع منحه حقوقه، خاصة أنّ التزام الأجير الفلسطيني بإجازة العمل وتسجيل رب العمل له في الضمان الاجتماعي، لا يُفيده إلا بتعويض نهاية الخدمة، دون الاستفادة من الطبابة والاستشفاء، بذريعة أنّ ذلك من مسؤولية وكالة "الأونروا"، علماً بأنّ ذلك يُمكن حلّه وفق آراء المختصين، في ظل تعرّض الوكالة الدولية لاستهداف واضح، بهدف إنهائها كشاهدة على نكبة الشعب الفلسطيني.
شروط قاسية للتسجيل
ويواجه اللاجئ الفلسطيني شروطاً صعبة لتملّك مؤسّسة تجارية، فضلاً عن تسجيله إياها في السجل التجاري والغرف التجارية، إلا أنّه يُشترط وضع مبلغ 100 مليون ليرة لبنانية في المصرف كضمانة، وهو أمر لا يُمكن توفّره، ما ينسحب على المؤسّسة مهما كان حجم نشاطها، أكانت كبيرة أو محل سمانة، مع اشتراط تشغيل 75% من العمّال اللبنانيين.
والكثير من المؤسّسات والمحال تعتمد بالعمل على أفراد الأسرة ذاتها، حتى بالكاد يكفيهم تأمين المُتطلبات الأساسية للحياة.
وكذلك فإنّ إقفال المؤسّسات والمحلات التجارية ستكون له نتائج وخيمة جداً ليس على الفلسطينيين فقط، بل أيضاً على اللبنانيين، لمخاطر تراجع الدورة الاقتصادية، بما في ذلك أنّ الغالبية
تعتمد في أعمالها على قروض وشيكات مُؤخّرة، ما يُهدّد بعدم التمكّن من الإيفاء بهذه الإلتزامات، وبروز دعاوى مُتبادلة لدى المحاكم، وفتح قضايا جديدة تطال أيضاً مصارف ومؤسّسات وأشخاص.
وقد طُرِحَتْ صيغ عدّة لمواجهة إجراءات وزارة العمل، وفي مقدّمها المباشرة بسلسلة اتصالات مع المسؤولين اللبنانيين، مع تلميح البعض إلى احتمالات الإضراب والإقفال التام للمؤسّسات التي يمتلكها فلسطينيون، كرسالة احتجاج وصرخة إلى مَنْ يعنيهم الأمر، بالتدارك قبل فوات الأوان.
وبدلاً من إقدام الوزارات على خطوات التضييق على الفلسطينيين، الأجدى البحث عمّا يُسهّل العمل لمَنْ يُشكّل رافداً مالياً إلى لبنان، وباعتراف المسؤولين الماليين بأنّ ما يحوّله اللاجئون الفلسطينيون من الخارج - حيث يكدّون في لهيب صحراء الخليج وصقيع الدول الأوروبية والاجنبية - إلى ذويهم في لبنان، يفوق الـ2 مليار دولار أميركي سنوياً، تصل وتُصرف صافية في لبنان، فضلاً عن الدورة الاقتصادية التي تنتج عن نشاط اللاجئين الفلسطينيين في المجالات المُتعدّدة، والتي تشكّل ما تنفقه وكالة "الأونروا" في لبنان و"منظّمة التحرير الفلسطينية" والفصائل والمؤسّسات الأخرى، موازنة كبيرة تصل إلى ثلث ما أقرّه مؤتمر "سيدر" في باريس، لكن تمتاز عنه بأنّها صافية ومباشرة، وليست قروضاً مُيسّرة أو مشروطة!
وكان وزير العمل الأسبق الدكتور طراد حمادة قد أصدر مرسوماً بتاريخ 2 حزيران 2005
أجاز فيه للفلسطينيين العمل بالعديد من المهن، التي كانوا محرومين منها، وكذلك فعل الوزير السابق محمّد كبارة في 15 شباط 2018.
حاجة الاستثناء!
الفلسطيني في لبنان بحاجة دائماً إلى استثناءات في ما يتعلّق بالتعليم والاستشفاء في المستشفيات الحكومية، وغيرها من مناحي الحياة، ما يستوجب حلاً جذرياً، وهو ما تبحثه مجموعتا العمل اللبناني – الفلسطيني، التي انطلقت بحوار جدي برعاية "لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني" برئاسة الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة، فيمكن تأجيل كل الإجراءات إلى حين أنْ تنتهي هذه اللجنة من اتخاذ قرارات، وهي ممثّلة لكافة الأحزاب اللبنانية، المُشاركة في الحكومة والمجلس النيابي وأيضاً "منظّمة التحرير الفلسطينية" والفصائل الفلسطينية.
هذا، ومن المقرّر أنْ تعقد مجموعتا العمل اللبنانية والفلسطينية اجتماعاً لها قبل ظهر غد (الثلاثاء) في مقر "لجنة الحوار" في السراي الحكومي، بدعوة من رئيسها الوزير السابق منيمنة، حيث سيكون قرار وزارة العمل بشأن الإجراءات ضد العمال الفلسطينيين في لبنان، محور بحث رئيسي ضمن الملفات التي تتعلق بالقضايا الحياتية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وعُلِمَ بأنّ لقاءً سيعقد في سفارة دولة فلسطين في بيروت لمختلف الأطياف الفلسطينية.
كما سيعقد الوزير أبو سليمان ووزير الصناعة وائل أبو فاعور لقاءً مع "جمعية الصناعيين اللبنانيين"، يعقبه مؤتمر صحفي.
هذا فضلاً عن سلسلة من التحرّكات بهدف المُعالجة.