لم يشهد لبنان سابقاً أن ضابطاً امنيّاً ناجحاً إستطاع أن يكون صلة وصل بين كل القوى السياسية والمكوّنات اللبنانية بدبلوماسية فائقة، ومن دون إستخدام سلطاته الأمنية لا ترغيباً ولا ترهيباً، كما هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
كل تاريخ هذا الرجل يتحدّث عن إنجازاته قبل أن يتبوأ منصب مساعد مدير المخابرات في الجيش اللبناني، وصولاً إلى إدارته للأمن العام. بالطبع سبقه قياديون في تولي مهام الإستخبارات وأجهزة أمنية أخرى لعبوا ادواراً مفصلية مهمة، لكنهم كانوا يُخفقون أحياناً وينجحون أحياناً أخرى، بينما لا يُسجل تاريخ إبراهيم او حاضره أيّ إشكال جوهري او أي فشل، فلم يشتكِ منه فريق، ولم يُزعج أي مكوّن من مكونات البلد. هو الذي أنجز مصالحات سياسية في مراحل عدّة، ولا يزال يحقّق نجاحاً تلو نجاح، حتى بات حاجة لبنانية ضرورية.
يعمل إبراهيم بصمت، ومن دون أي استعراض إعلامي، ولا هو يتباهى بتعدد تلك الإنجازات الوطنية، بل يحيط إنجازاته بتواضع لا مثيل له.
بعدما إستلم زمام المديرية العامة للأمن العام زاد بريق المديريّة في كل مجالات مهامها، فنظّم عملها بشكل اراح المواطنين في كل متابعاتهم. صار في كل مساحة لبنانية مركز للأمن العام يسهّل على اللبنانيين ما كانوا يعانون منه لعقود. واذا كان ضغط النازحين السوريين فاق قدرات لبنان في هذه المرحلة، لكن جولات ابراهيم للمراكز الحدودية وفي كل المناطق وتعليماته، خفّفت من تداعيات النزوح. فهو القائد الأمني والمدير الإداري الذي نزل من مكتبه لعند الموظّفين.
لا مجال لسرد تلك الإنجازات الدائمة داخل مديريّة الأمن العام، لكن يمكن الإختصار بالقول: نجاح المديرية يلمسه اللبنانيون يوميّاً.
بالإنتقال الى الأزمات اللبنانية، إستطاع اللواء إبراهيم ان يسدّ فراغاً كبيرا بأصعب مراحل مرّ فيها البلد، فكان وحده بحجم خليّة أزمة متكاملة في أهم دول العالم: كان مدير عمل الخلية، والمفاوض فيها، والناطق الرسمي بإسمها. يُمكن هنا إستحضار أزمات المخطوفين في أعزاز السورية، وراهبات معلولا، والعسكريين اللبنانيين ومحطّات أخرى، مروراً بإعادة اللبناني من السجون الإيرانية، وصولاً إلى ما يقوم به الآن لحل معضلة حادثة قبرشمون، وما بين تلك المحطّات تحركات بعيدة من الإعلام يحيك فيها إبراهيم علاقات سياسية بين قوى تخاصمت إلى حد القطيعة، أو بين بيروت وعواصم أخرى.
بات اللبنانيون يتفاءلون بحل أي نزاع أو معالجة تداعيات أي ازمة لمجرد تكليف مدير عام الأمن العام بها. ذاع صيته في دول كبرى وفاعلة، عربية وإقليمية وغربية.
بالتأكيد، مهماته ليست سهلة، لا بل كلّما استعصت مشكلة، او تطور حادث الى أزمة، يبادر السياسيون الى تكليف اللواء ابراهيم بالحلّ من دون أي اعتراض، لا بل يتسابقون لوضع الأمور عنده، ويطمئنّون أن الرجل يتحرك بدوافع وطنية لا غير، وليس لديه حسابات لا آنية ولا لاحقة. هو برهن عن تلك الدوافع عند كل مفترق. يلمس اللبنانيون وجودها، ويعلمون ان حسابات السياسيين تفصّل على قياساتهم ومصالحهم، بينما حسابات المدير العام للأمن العام وطنية صافية غير منحازة لأي فريق.
ها هو يتنقّل بين كليمنصو وخلده، يُطلع رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة على تفاصيل رحلات التفاوض ومساعي الحل، وبكل ثقة يربط بين خيط وخيط حتى يصل الى حياكة نتيجة لا تكون على حساب اي فريق.
لا تتعارض مساعي إبراهيم الوطنية مع اي دور، بل هو يتكامل مع دور بري بإنسجام وإرتياح على قاعدة واحدة. تجده يتواصل مع "حزب الله" الذي يوليه ثقة. يستقبل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ليقضي الأخير ليلته في منزل اللواء إبراهيم في كوثريّة السيّاد قرب النبطيّة قبل ان يبدأ باسيل في جولته الجنوبية. ولا بدّ أن السهرة كانت عامرة بتقريب وجهات النظر بين وزير الخارجية وآخرين ستكشف عن تفاصيلها ونتائجها الآيام الآتية.
يريد الكل ان يُكمل ابراهيم مساعيه لانه نال ثقة اللبنانيين، من سياسيين ومواطنين أجمعين، وصار مصدر إطمئنان واسع شامل.