ليس لأنهم لا يريدون المشاركة بموازنة تقشفية تتلاءم مع وضع البلد المالي والإقتصادي، ولا لأنهم يعتبرون أن التضحيات التي قدّموها على مذبح الوطن يوم كانوا في الخدمة تفوق أضعاف أضعاف ما يقدمه الموظف المدني في الإدارات، بل لأنّ تحويل الإستثناء الى قاعدة خط أحمر بالنسبة اليهم، وهذا ما إعتادت عليه الحكومات المتعاقبة وما يحاولون منع تكراره معهم.
إنطلاقاً من هذه القناعة يخوض العسكريون المتقاعدون، وحتى الأيام واللحظات الأخيرة، معركتهم في الشارع وعيونهم شاخصة على إسقاط المواد التي تطالهم في مشروع الموازنة، أما السبب الأساس فيلخصه أحد العمداء على الشكل التالي:
"اذا تنازل العسكريون المتقاعدون ووافقوا على فرض ضريبة ٣ او ١،٥٪ على إستشفائهم أو بضريبة على رواتبهم التقاعدية، سيفتح هذا التنازل الباب أمام السلطة السياسية بمدّ يدهّها ساعة تشاء على حقوق العسكريين المتقاعدين على إعتبار أنهم مكسر عصا أو لأنها تعتبر أنهم الشريحة المجتمعية الأسهل بفرض الضرائب عليها ومن دون أي ردات فعل تذكر".
العميد المتقاعد نفسه يسأل، "ومن قال إذا قبلنا اليوم بالضرائب التي يتحدثون عنها، لن يعودوا الينا بعد أشهر قليلة برزمة جديدة من الضرائب في موازنة العام ٢٠٢٠؟ وإذا كان وضع الخزينة دقيقاً كما يسوّقون، فما الذي سيجعله جيداً عند دراسة موازنة العام ٢٠٢٠ كي لا تفرض وزارة المال مجدداً ضرائبها علينا؟.
وكي يثبتوا للحكومة ولمجلس النواب أنهم على إستعداد لتقديم المزيد من التضحيات، ولكن ليس بشكل عشوائي غير مدروس وتحت إشراف سلطة ليست محطّ ثقة، يقترح العسكريون المتقاعدون إسقاط البنود التي تطالهم من مشروع الموازنة، وإحالة أي مشروع يتعلق بهم الى رؤساء الأجهزة العسكرية برئاسة قيادة الجيش وبمشاركة الضباط النواب مع لجنة من قضاة لبنان الأشراف وممثلين عنهم".
إذاً بنفسٍ طويلٍ جداً، يواكب العسكريون المتقاعدون جلسات الموازنة، وكلّهم ثقة بأن المواد التي تطالهم ستسقط بأكثريتها الساحقة عند التصويت، وكلهم قناعة بأن سلطة تتردد ألف مرة ولا تغوص بعد هذا التردد بكيفية تحصيل أموال الدولة من المخالفين على الشاطئ اللبناني من الناقورة الى عكار، وترفض رفع قيمة رسوم المخالفات بطريقة تتلاءم نوعاً ما مع سعر متر الأرض الواحد على الشاطئ، فهي لن تضبط يوماً مزاريب الهدر والفساد ولن تنشر موازنة إصلاحيّة كما يسوّقون لها، ولن تخفّض نسبة العجز كما يريدون مسايرة للدول المانحة وغيرها.
فرض الضرائب عليهم هو الإستثناء، اما القاعدة فتقول بإقفال مزاريب الهدر وتحصيل أموال الخزينة من المخالفين أي من المحميات السياسية، تحويل الإستثناء الى قاعدة هو ما يرفضه العسكريون المتقاعدون رفضاً قاطعاً، وهو ما لن يسمحوا بتمريره على حسابهم فقط لأن هناك بين المسؤولين من إعتقد أنهم الأسهل في تقبل الضرائب.