منذ تاريخ الإنقلاب العسكري التركي الفاشل في تركيا، في شهر تموز من العام 2016، تتراكم الخلافات بين واشنطن وأنقرة على نحو غير مسبوق، بالرغم من التحالف الذي يجمعهما من خلال عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الأمر الذي دفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التقرب أكثر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن كانت علاقتهما قد شهدت توتراً على خلفيّة إسقاط مقاتلات تركية طائرة روسية على الحدود مع سوريا.
على هذا الصعيد، برز الخلاف الأخير حول صفقة "أس-400" التي أبرمتها أنقرة مع موسكو، التي أثارث غضب واشنطن والدول الأوروبيّة، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى الإعلان أنها وشركاءها في برنامج الطائرة "أف 35" متفقون فيما بينهم، بشأن قرار تعليق مشاركة تركيا في تصنيع الطائرة واستبعادها رسمياً عن هذه العملية، في حين كان من المتوقع أن تذهب إلى فرض عقوبات على أنقرة، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يفكر في مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن.
في ظل هذا الواقع، برز تصريح لرئيس شركة روستك الروسية الحكومية سيرغي شيمزوف، أعلن فيه الإستعداد لتقديم طائرة الجيل الجديد سوخوي 57 لتركيا، ما يعني أن موسكو لن تتردد في الإستفادة من هذا التوتر، لا سيّما إذا أخذ منحى تصاعديًّا في المرحلة المقبلة، بالرغم من الإشارات التي كان قد أرسلها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، من خلال الإعلان عن أنّ التعاون بين "الناتو" وتركيّا أعمق بكثير من مسألة صفقة مقاتلات "أف 35".
في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن أنقرة تسعى إلى التعامل مع الخطوة الأميركيّة بهدوء، لكن من دون التنازل عمّا تعتبره حقاً لها في المقابل، فهي تعتبر أن واشنطن لا يمكنها أن تعزلها من جانب واحد من برنامج طائرات "أف 35" لأن اتفاق الشراكة لا يسمح بذلك، بينما وصف أردوغان رفض الولايات المتحدة تسليم بلاده الطائرات بـ"السرقة"، متوعداً بالذهاب إلى التحكيم الدولي.
في هذا الإطار، لا يمكن فصل ما يحصل اليوم على مستوى العلاقة بين البلدين عن المسار القائم منذ سنوات، في ظل الخلافات المتشعبة، لا سيما على صعيد الأزمة السوريّة، لناحية دعم واشنطن "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبيّة الكرديّة، والتي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمنها القومي، بالرغم من الإجتماعات المتكررة بين الجانبين من أجل تسوية الخلافات في ما بينهما، التي لم تنجح في الوصول إلى نتيجة عملية حتى الآن.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن المشكلة الأساس تكمن حول هوية الدولة التركية أو الدور الذي تبحث عنه على مستوى المنطقة، بعد أن كانت تسعى طوال الفترة السابقة إلى الإستفادة من تضارب المصالح الأميركيّة الروسيّة، للحصول على مكاسب متعددة المصدر، لا سيما أنها تعتبر كشريك رئيسي في مسار الآستانة، إلى جانب موسكو وطهران، المتعلق بالأزمة السورية، مع العلم أن الخلافات بينهما لا تقتصر على هذه الساحة تحديداً.
ما تقدم، يقود إلى معادلة واضحة هي أن واشنطن لا تزال تمسك بالخطوة الأولى لرسم مسار العلاقة مع أنقرة، فهي إن قررت التصعيد ستدفع تركيا إلى التقارب مع روسيا، الأمر الذي تستغله موسكو إلى أبعد حدود، بينما هي في الوقت نفسه لا تستطيع أن تتجاهل الخطوة التركية الأخيرة المتعلقة بصفقة "أس 400".
في المحصلة، الأيام المقبلة ستكون حبلة بالتطورات على مستوى العلاقات الأميركيّة التركيّة، حيث ستظهر نوايا كل دولة من الأخرى، لكن الأكيد أن أنقرة جادة في محاولة التموضع بين الشرق والغرب على مستوى مصالحها، بالرغم من التداعيات المحتملة على مثل هكذا خيار على إقتصادها الوطني.