أرسل وزير الاتصالات محمد شقير، رسالةً إلى «ألفا» و«تاتش»، يُخبرهما أنه وقّع قرار الموافقة على خدمة التخابر الدولي التي تُقدّمها شركة Wonet الخاصة، فارضاً عليهما تفعيلها. يتذرّع شقير بأنّ تلزيم الخدمة، يأتي بعد التراجع الكبير في إيرادات التخابر الدولي، ولكنه في الوقت نفسه يُصدر بياناً عن التوصل إلى اتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي لخفض كلفة التخابر الدولي، «من دون الاضطرار إلى اللجوء إلى بدائل أُخرى معقّدة ومكلفة».
الأمر الإيجابي في وزير الاتصالات محمد شقير، أنّه واضحٌ، لا يتنمّق قبل أن يُقدّم نفسه إلى الرأي العام. «يُظلم» الرجل حين يُصوّر بأنّه صاحب «نوايا مُبطنة»، أو لديه خطط استراتيجية مخفية بعيدة المدى. فرؤيته غير مُعقدة، قائمة على فكرة علنية واحدة: خصخصة قطاع الاتصالات. خلفيته «المهنية» تتحكم بطريقة عمله كوزيرٍ في الدولة، يُفترض به أن يُبدّي مصالحها على أي «حلّ» آخر. ولكن يبدو أنّه لم «يتآلف» بعد مع «وظيفته» الجديدة. للتذكير، قال قبل أيام، في مقابلة مع «أل بي سي آي»: «سأبقى رئيس الهيئات الاقتصادية وأُدافع عن القطاع الخاص لأنّ لولاه لما كان هناك لبنان». انطلاقاً من هذه «المبادئ»، وإلى حين بلوغ مُرتجاه بخصخصة الاتصالات، سيلجأ في «الوقت الضائع» إلى خصخصة خدمات تُقدّمها شركتا mic 1 (ألفا) وmic 2 (تاتش) المملوكتان من الدولة، واللتان تُدرّان لخزينتها العامة عائدات مادية. خطواته تعني، ببساطة، أنّه من موقعه كـ«أمين» على الموارد العامة، سيحرم الخزينة جزءاً من الإيرادات التي كانت توفرها تلك الخدمات. الحديث، مُجدّداً، يتعلّق بـ«تلزيم» خدمة التجوال الدولي ــــ Roaming ــــ إلى شركة خاصة، مُنافِسة لشركتَي «ألفا» و«تاتش»، ليس فقط من خلال مُزاحمتهما على تقديم نفس خدمتهما إلى المُشتركين، بل لأنّ شركة الـ Wonet هي مُشغّل لشبكة محمول افتراضية ــــ MVNO ــــ وستتحول بقرار وزاري إلى لاعبٍ ثالث في قطاع الخلوي، مُستفيدةً من البنية التحتية للشبكتين الأصليتين، اللتين يتمّ تلزيمهما بموجب مناقصة.
حجّة شقير للدفاع عن قراره، أنّ عائدات التجوال الدولي تنخفض سنوياً، وبالتالي لا حلّ سوى بمنحها لشركة خاصة، تُقدّم عروضاً للمشتركين لتشجيعهم على استخدام الرومينغ، مع وجود حصّة ثابتة للدولة منها، بناءً على العقد الموقع. كلام الوزير يبدو «منطقياً»، ولكن تنتفي عنه هذه الصفة حين يتبين وجود دراسات لـ«ألفا» و«تاتش» تُظهر عدم وجود جدوى اقتصادية للـ Wonet، وأنّ شقير نفسه أعلن أخيراً توصّله إلى اتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي، لخفض أسعار التخابر الدولي بينها وبين لبنان. ففي 4 تموز الجاري، صدر عن مكتبه أنّ وزارة الاتصالات «وتسهيلًا لأمور اللبنانيين المقيمين في الخليج، والراغبين بزيارتها، وتحفيزاً لمجيء السياح الخليجيين إلى لبنان، عملت على التوصّل إلى اتفاق بين «تاتش» و«ألفا» والمشغّلين في مجلس التعاون، يسمح باستخدام خدمة «roaming voice & data» بأسعار مخفضة في لبنان وفي دول الخليج، ما يُتيح للجميع اعتماد خطوطهم الخلوية الخاصّة بهم، من دون الاضطرار إلى اللجوء إلى بدائل أُخرى معقّدة ومكلفة». فإذا كان شقير قد تمكّن من إبرام اتفاقيات لتفعيل استخدام الرومينغ، ويُقرّ في الوقت نفسه بأنّ البدائل الأخرى لها «مُعقدة ومكلفة»، كيف تستقيم عندها حجته في التسويق لخدمة Wonet؟ وما المُبرّر لها؟ لماذا لا تُعمّم الوزارة تجربتها في الخليج على الوجهات الأكثر زيارةً من قبل اللبنانيين؟.
انخفاض عائدات التجوال الدولي بدأ منذ الـ 2012، بسبب خدمة التخابر عبر الإنترنت ــــ VoIP، وطريقة الترويج لهذه الخدمة، وارتفاع تعريفات البيانات لدى «ألفا» و«تاتش»، كما جاء في تقريرَي الشركتين إلى لجنة الاتصالات النيابية. فلدى «ألفا»، انخفضت العائدات من 46 مليون دولار في الـ 2012، إلى 24 مليوناً في الـ 2018. الانخفاض أكبر لدى «تاتش»، التي وصلت عائدات التخابر الدولي فيها عام 2012 إلى 97 مليون دولار، قبل أن تنخفض في الـ 2018 إلى 21 مليون دولار. المشكلة إذاً ليست آنية، بل الأرقام تسير بمنحى انحداري منذ ستّ سنوات، من دون أن تتخذ الوزارة، في كلّ العهود، إجراءات كافية لتداركها، بل صُوّر الموضوع وكأنّنا وُجدنا فجأةً في عين العاصفة. ومقابل انخفاض عائدات التخابر الدولي، ومُجمل عائدات الاتصالات، كانت الوزارة مُستمرة بزيادة النفقات، حتى تلك غير الاستثمارية، والتي لا تُعدّ ضرورية.
في تقريرها إلى لجنة الاتصالات النيابية، تذكر «تاتش» أنّها تمكنت من «إبرام صفقات للتخابر الدولي مع شركة «اتصالات» (أبو ظبي) وSTC السعودية، وغيرها من الشركات التي تشكل جزءاً من حزمة التجوال العالمية لهذين المشغلين. ويجب القيام بالمزيد، من خلال خفض الأسعار، وقد قدمنا عدّة اقتراحات بذلك لوزارة الاتصالات». ويُشير التقرير إلى مراسلة «تاتش» الوزارة، في 4 كانون الأول الماضي، بشأن إمكانية تخفيض الأسعار، مع الاحتفاظ بنسبة الإيرادات، من خلال القيام بصفقات جديدة مع المُشغلين الأجانب. «ألفا» أيضاً، بادرت إلى تعديل أسعار التخابر الدولي لديها، من خلال توقيع الاتفاقيات مع عددٍ من المشغلين في الدول العربية والخليجية، وتعمل حالياً على اتفاق مع مُشغلين في تركيا، حيث ترتفع نسبة الزوار اللبنانيين. وتؤكد مصادر في الشركتين أنّ بيان الوزارة في 4 تموز، عن اتفاق جديد مع دول مجلس التعاون الخليجي، «اطلعنا عليه في الإعلام، ولا علم لنا بأي إجراءات جديدة، وخاصة أنّه سبق لنا التوصل إلى اتفاقيات مع عددٍ من هذه الدول، لتُصبح الكلفة مع بعض المشغلين سنتاً واحداً لكل ميغابايت».
بعيداً عن السباق بين الوزارة والشركتين، لنسب إنجاز تخفيض أسعار الرومينغ إلى أحدهما، الفكرة الأساسية في هذا المجال هي وجود قدرة لدى الدولة لـ«الاستفادة» مُجدّداً من خدمة الرومينغ ووقف نزف وارداتها، من خلال خفض الأسعار للمشتركين. لذلك، من غير المفهوم إصرار شقير على إدخال خدمة Wonet إلى السوق. وآخر محاولاته، إرساله رسالةً إلى «ألفا» و«تاتش» بأنّه وقّع خدمة الـ Wonet، بناءً على عقد تقاسم أرباح 80% للشركة الخاصة و20% للدولة، فارضاً عليهما تفعيلها. ليست المرّة الأولى، التي يُحاول فيها شقير إلزام الشركتين بالـ Wonet، رغم ملاحظاتهما العديدة عليها. وبحسب معلومات «الأخبار»، ستستمر «ألفا» و«تاتش» في محاولة عرقلة تشغيل الخدمة. تنطلق الشركتان من فكرة أنّ Wonet غير مُربحة، وتنطوي على مخاطر أمنية جمّة، أبرزها خطورة تشغيل شبكة محمول افتراضية (MVNO)، لا يُمكن مراقبتها، وقد تُستغل للقيام بعمليات إرهابية، فإذا لم تتمكن دول متقدمة تكنولوجياً من السيطرة على الشبكات الخاصة الافتراضية، كيف سيتمكن لبنان من ذلك؟.