قد يشكل السلاح الفلسطيني في لبنان أحد أبرز الملفّات المعقّدة والشائكة التي رافقت يوميات اللبنانيين منذ أيام الحرب اللبنانيّة. ولم تنجح كل المحاولات لتنظيم هذا السلاح رغم تشكيل لجان أمنيّة في أبرز وأكبر المخيّمات في تجنب انفجار الوضع الأمني فيها في أكثر من محطة وتحت أكثر من عنوان. اليوم ومع فتح ملفّ عمل الفلسطينيين في لبنان على مصراعيه تزامنا مع انطلاق تطبيق خطة وزارة العمل لمكافحة اليد الأجنبية غير الشرعيّة، بات هناك من يطرح تلبية بعض مطالب اللاجئين مقابل سحب السلاح من المخيمات، علمًا بأنّ دقّة المرحلة التي تمر بها المنطقة وبخاصة مع طرح "صفقة القرن" قد تجعل ايّ نقاش في هذا الخصوص وكأنه رضوخ لما تطرحه هذه الصفقة لجهة توطين اللاجئين في البلدان التي يتواجدون فيها.
وكانت هيئة الحوار الوطني اللبناني التي علّقت اجتماعاتها مع فراغ سدّة الرئاسة في العام 2014 اتخذت قرارا حاسما في ملفّ السلاح الفلسطيني في العام 2006 قضى بسحبه من التجمّعات الفلسطينية المتمركزة خارج المخيّمات، الا أنّ ذلك لم يترجم فعليا على أرض الواقع، في ظلّ تأكيد مصادر رسميّة لبنانيّة وفلسطينيّة ان هناك قوى لبنانيّة تتمسّك بهذا السلاح اكثر من القوى الفلسطينيّة عينها. وفي هذا الاطار تتساءل مصادر رسمية لبنانية: "كيف نطلب من الفلسطينيين التعاون في هذا المجال اذا كان هناك اطراف لبنانيين يحمّسونهم على التمسّك بسلاحهم خدمة لأجنداتهم الخاصة"؟.
وتتّكىء القوى اللبنانية الأخرى المطالبة بسحب السلاح منّ المخيمات على موقف أطلقه الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته الأخيرة الى لبنان في العام 2017، أكد فيه رفضه وجود السلاح بيد الفلسطينيين في المخيّمات وخارجها، معتبرا أنه "من حق الحكومة اللبنانيّة أن تسحب كل السلاح الفلسطيني على أراضيها من منطلق أن الفلسطينيين في لبنان في حماية الجيش اللبناني والحكومة". الا أنّ هذا الموقف اللافت لم يدفع الدولة اللبنانية للقيام بأيّ خطوة باتجاه سحب السلاح، بل بقيت في موقع المتفرّج على انفجار الوضع الأمني في المخيّمات عند كل محطّة واستحقاق.
وتتولى لجان أمنيّة مشتركة تضم ممثلين عن أبرز الفصائل الفلسطينيّة الأمن في مخيم عين الحلوة والبدّاوي وبرج البراجنة، والتي تعتبر أكبر تجمعات للاجئين الفلسطينيين في لبنان. ولا وجود للجيش والقوى الامنيّة اللبنانيّة داخل 12 مخيّما فلسطينيًّا منتشرا في معظم المناطق اللبنانيّة، ما أدى لهرب عدد كبير من المطلوبين والمجرمين الى داخل هذه المخيمات التي تشهد انتشارا ظاهرا للسلاح من دون أيّ ضوابط.
وتعتبر مصادر فلسطينيّة انّ العدد الأكبر من اللاجئين في المخيّمات لا مانع لديه على الاطلاق ان يستلم الجيش اللبناني أمنهم بعدما أثبتت تجربتهم على مرّ السنوات الماضية ان اللجان الامنيّة التي تشكّلها الفصائل سرعان ما تتلاشى عند ايّ انفجار امنيّ وايّ مواجهة بين الفلسطينيين أنفسهم. وتشير المصادر الى انّ ما يعني سكّان المخيّمات تحسين ظروف عيشهم وعملهم وهم لن يترددوا عندها على الاطلاق برشّ الأرز على عناصر الجيش الداخلين لحفظ أمن مخيماتهم.
ومن أبرز الخطوات التي قامت بها الحكومة اللبنانيّة بالملفّ الفلسطيني والتي تركت أكثر من علامة استفهام هو قيامها بتعداد عام للسكان والمساكن في المخيّمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، خلُص الى وجود 174 ألف لاجىء فلسطيني في لبنان يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً في المحافظات الخمس في لبنان، علمًا أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وفي احصاء أجرته قبل نحو 9 سنوات، أكدت وجود اكثر من 483 ألف لاجىء فلسطيني في لبنان،449 ألفا مسجلين لديها. وهي لا تزال تؤكد على ذلك من خلال موقعها الرسمي على شبكة الانترنت. ما يجعل عددا كبيرا من الخبراء اللبنانيين يسألون ألف سؤال حول التفاوت الكبير في الأرقام، وما اذا كان حقيقة يمهّد للتوطين الفلسطينيين في لبنان بحجّة أن عددهم بات يمكن استيعابه.
فهل يتحرك فعليًّا هذا الملفّ في الاسابيع والاشهر القليلة المقبلة ام يعود الى ثباته العميق فور تصدّر ملف او استحقاق آخر المشهد العام؟.