لا يستغرب القيمون على وزارة البيئة اقتراب ملف النفايات من الانفجار مجددا في وجه الحكومة سواء بعد التهديد باقفال مطمر الكوستابرافا بوجه نفايات عدد كبير من المناطق او مع اقتراب مطمر برج حمود من بلوغ سعته القصوى نهاية الشهر المقبل. فالوزارة، وبحسب مصدر مطلع فيها، أنجزت كل المهام المطلوبة منها وأعدّ الوزير فادي جريصاتي خطته لمعالجة جذريّة لملف النفايات، لكن البرودة التي تشهدها جلسات اللجنة الوزارية المكلّفة بحث الموضوع منذ تكليفها بالمهمة وانشغال مجلس الوزراء بأولويات أخرى قبل دخوله في نفق التعطيل، هي التي أوصلت اللبنانيين مجددا الى التعامل مع واقع عودة النفايات الى الشوارع وجعلت السلطة تواجه اليوم من جديد تحدي ايجاد المخارج والحلول المناسبة وبسرعة قصوى، وهي بمعظمها ستعتمد لا شك الخيارات غير البيئية كتوسعة المطامر بعد عملية معقدة من محاولة ارضاء القيمين على المطامر والمناطق على قاعدة "تبويس اللحى".
وترد المصادر عدم جدية قسم كبير من القوى السياسية في التعامل مع ملف النفايات والبحث عن الخيارات البيئية المناسبة الى سعيها لابقاء الوضع على ما هو عليه كونها مستفيدة منه بطريقة أو بأخرى، مشددة على ان الانطلاق بتطبيق الخطة التي وضعتها الوزارة اليوم لن يعطي نتائجه بالسرعة المطلوبة التي يستلزمها الوضع الحالي الذي تحول طارئا سواء في الكوستابرافا او برج حمود، لكنه لا شك أمر لا بد منه لتفادي عدم تكرار انفجار الازمة كل فترة في وجه الجميع. وتعتمد خطة الوزير جريصاتي بشكل اساسي على لامركزية الحل وعلى الفرز من المصدر واسترداد المواد التي يمكن اعادة تدويرها، على ان يُحال ما يتبقى من نفايات اما الى مطامر صحّية أو الى المحارق. وبحسب المعلومات فقد أعدت الوزارة ورقة بالرسوم التي تقترح فرضها لمساعدة البلديات على الانطلاق بعملية الفرز من المصدر لتشمل رسما مختلفا بين المنازل والمدارس والشركات... لكن هذه الورقة من المفترض أن تتبناها الحكومة كي تصدر عبر قانون يجعل تطبيقها الزاميا. وقد بدأ عدد لا بأس به من البلديات باعتماد تقنية الفرز من المصدر، والزام السكان بذلك من خلال ازالة المستوعبات الكبيرة من الطرقات وحصر الأكياس التي يتم استلامها من المنازل بتلك المفروزة. الا أنّ القيمين على هذه البلديات وبخاصة الفقيرة منها يشدّدون على وجود دعمهم ماديّا للاكمال بالمهمة وتفعيلها.
وتُدرك المصادر أن الوزارة ستجد صعوبة في حثّ المواطنين على تقبل المطامر الصحّية في مناطقهم وهو ما تجلى بوضوح أخيرا في منطقة البداوي–الفوار، كما ستواجه صعوبات أكبر بموضوع المحارق مستغربة "كيف أن البعض يتحدّث عن سموم ستنتج عن هذا الخيار نتيجة الانبعاثات بالهواء، ويتناسى كميات السموم التي نتنشقها جراء الحرق العشوائي للنفايات والذي يتم في قسم كبير من المناطق للتخلص من النفايات"، مؤكدة ان الادارة والمراقبة الجيدة للمحارق من قبل اكثر من جهاز وطرف كفيلان بالحد كثيرا من اية مخاطر محدقة.
وتشير المصادر الى عدم تعاون من قبل بلدية ومحافظة بيروت بموضوع المحرقة التي يتم العمل على انشائها للتخلص من نفايات العاصمة، لافتة الى ان الوزارة طلبت اكثر من مرة الحصول على تفاصيل بهذا الخصوص لكن لم يكن هناك تجاوبا من قبل المعنيين. وتضيف: "على كل حال لن تتمكن ايّ بلدية من انشاء محرقة في نطاقها من دون الحصول على اذن الوزارة... ونحن لن نعطي اذنا قبل اجراء دراسة أثر بيئي".
فالى متى ندور في حلقة مفرغة في هذا الملف؟ وهل من سيتحمّل مسؤوليّة انفجار الوضع مجددا هذه المرة ام سيتكبد المواطن وحده كالعادة الأثمان الباهظة بيئيا وصحيا لعودة النفايات الى الشوارع؟.