يشعر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بأنّ هناك من يريد إضعافه سياسياً، إنطلاقاً من حادثة قبرشمون. وتتحدّث المعلومات عن أنّه لا يثق بكل الضمانات التي قدمّها له رئيس المجلس النيابي نبيه بري بشأن تسليم المطلوبين المشتبه بتورطهم في اطلاق النار في الحادثة المذكورة. فرئيس الحزب التقدمي يعتقد ان "حزب الله" ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل يقفان خلف تصعيد رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان، رغم ان الحزبين الأصفر والبرتقالي يؤكّدان انهما يلتزمان بما يقرره ارسلان في هذا الشأن.
على هذا الاساس تبقى كل محاولات الحل تراوح في مكانها من دون أي تقدم لا بشأن بت أمر المجلس العدلي ولا حول جلسة مجلس الوزراء. لا بل لوّح إرسلان ان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب قد يقدّم إستقالته من الحكومة في حال وافق حلفاؤه على حضور اي جلسة لمجلس الوزراء لا تحيل القضية الى المجلس العدلي.
في الظاهر لا يتراجع كل من جنبلاط وارسلان عن موقفهما، في مشهد يؤكّد أن الازمة مستمرّة، بينما تفيد المعلومات أن رئيس "التقدمي" قرّر مواجهة "حزب الله" في مكان آخر: جرود عين دارة.
وبحسب المعلومات نفسها فإن جنبلاط إتخذ قرار المواجهة بعدما إستمع إلى مقابلة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخيرة التي تحدّث خلالها بشكل تفصيلي عن تعاطيه مع قضية معمل الإسمنت المذكور، ومحاولة رئيس "التقدمي" فرض شراكة مع مالك المشروع بيار فتّوش. ولذلك، مهّد لحملته بتصريح أطلقه من بيت الوسط رمى فيه المسؤولية على قيادات في الحزب حرّفت الحقائق ونقلت معلومات مغلوطة لنصر الله، لكن ما لم يكن يتوقعه جنبلاط هو ردّ فتوش، فأبرز الأخير وثائق ومستندات تؤكد ما قاله الأمين العام لحزب الله. لكن المفاجأة التي كشف عنها فتوش هي رسالة هاتفية عبر واتساب، كان بعث بها جنبلاط الى رئيس الحكومة سعد الحريري وفي مضمونها كما ظهرت: "إغلاق معامل الإسمنت لأسباب بيئية مزعومة يشكل تهديداً كبيراً على صناعة مترسّخة في لبنان منذ عقود. أحد أسباب هذا الإغلاق هو أن نصرالله كان قد أوصل رسالة إلى وائل(ابو فاعور) من خلال أحد الأشخاص تقول إن مشروع معمل فتوش يجب أن يعمل. كما هو معروف، ماهر الأسد هو وراء المعمل وتهديد جبران باسيل هو جزء من هذه السياسة وجواب لموقفك الممتاز في بروكسل. أخبرني عندما تعود من السفر لكي نلتقي.
هذه الرسالة لم يعلّق عليها جنبلاط حتى الساعة، لكنها تتفاعل في اوساط "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لأنها تتهم نصرالله وباسيل بإفتعال أزمات: "هل من المعقول ان يبعث أمين عام "حزب الله" برسالة الى رئيس "التقدمي" عبر ابو فاعور بشأن عين دارة؟ عدا عن إشارته الى دور سوري لا وجود له. وإذا كان التلميح قائما حول رسائل جنبلاطيّة أخرى، وحديث مطّلعين عن أن "رئيس التقدّمي سبق وحاول القول للأميركيين أن معمل عين دارة هو قاعدة لحزب الله"، فإن المواجهة السياسية والإعلامية قائمة، لأن جنبلاط قرر كسر قرار السيّد نصرالله مهما كلّف الأمر، عبر عدة جبهات:
اولاً، الدفع باتّجاه تأمين مشاركة جمهور حزبه في إعتصام يجري اليوم في عين دارة بمشاركة رؤساء البلديات التابعين للحزب "التقدمي".
ثانياً، يريد جنبلاط أن يرفع الصوت تحت عنوان بيئي للهروب من آثار حادثة قبرشمون، وبنفس الوقت إظهار مواجهته لحزب الله والسوريين في عين دارة. علما أن لا الحزب ولا سوريا لهما علاقة بالمعمل. لكن المطّلعين يرون أن فتوش يردّ خلال إطلالاته الاعلاميّة على "حملات يتعرّض لها من قبل جنبلاط، وتوقيف عمل مشروعه منذ سنوات، مع ما ينتج عن ذلك من خسائر ماليّة باهظة كان شرحها فتوش"، فرفع السقف مستندا الى وثائق ومستندات، علماً ان السيد نصرالله اعلن دعمه للمشروع على أساس الحق والاحكام.
في الواقع، لا علاقة لحزب الله بمعمل عين دارة، بل ان دفاع الحزب هو عن توقيع وزيره حسين الحاج حسن وإنتصاراً لحقوق مكتسبة بالقانون فقط، لكن جنبلاط يتعاطى مع الملفّ على أنه جزء من عمليّة تهميش وإضعاف له لا تنفصل عمّا يجري بشأن حادثة قبرشمون، وعلى هذا الاساس يأتي قراره: مواجهة "حزب الله" وكسر قرار نصرالله مهما كلّف الأمر. فهل يتكرّر في عين دارة ما حصل في قبرشمون؟ توحي كل المعطيات أنّ الاجواء تدلّ على مواجهة ليست سياسية ولا اعلامية فقط.