انصبَّ الاهتمام اللبناني والفلسطيني على مُعالجة قضية العمّال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في ضوء إجراءات وزارة العمل، ضمن الخطة التي بدأ تنفيذها لمُكافحة العمالة الأجنبية، انطلاقاً من أنّ العمّال الفلسطينيين لا يُعتبرون أجانب، لأنّ وجودهم قسرياً في لبنان، جرّاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومُسجّلون في سجلات وزارة الداخلية والبلديات - دائرة الشؤون السياسية.
وتكثّفت الاتصالات استناداً إلى النصوص القانونية، مع وجود وجهتَي نظر:
الأولى: التي يتمسّك بها وزير العمل الدكتور كميل أبو سليمان و"لجنة الحوار اللبناني -الفلسطيني" بضرورة حصول العامل الفلسطيني على إجازة عمل مُعفاة من الرسوم.
الثانية: التي يتمسّك بها الجانب الفلسطيني بعدم حاجة اللاجئ الفلسطيني إلى إجازة عمل، مستنداً إلى استثنائه، وهو ما اعتمده أكثر من وزير، بعدما أصدر وزير العمل الأسبق الدكتور طراد حمادة مُذكّرة يستثني فيها العامل الفلسطيني من الحصول على إجازة عمل للعديد من المهن، التي كان محروماً منها – وأبقى على استثناء المهن الحُرّة - التي تحتاج إلى مُوافقة النقابات المعنية.
وتكثيف الاتصالات يهدف للمُعالجة من خلال الحوار، والتفهّم اللبناني للواقع الفلسطيني والمُساعدة في إصدار القرارات في الوزارت المعنية، أو المراسيم في مجلس الوزراء، وصولاً إلى القوانين في المجلس النيابي، مع وعي مخاطر مُحاولات البعض للتوتير، استغلالاً للحراك والتظاهرات التي تشهدها المخيّمات الفلسطينية، والتضامن في أكثر من مدينة وبلدة لبنانية، وخشية من تحويل الأنظار من حراك مطلبي، إلى افتعال توتيرات أمنية، نجحت الفصائل والقوى الفلسطينية بتجنيب قواها تداعيات ذلك، خلال الأعمال الإرهابية التي شهدها لبنان، خصوصاً حدوده الشرقية، وأيضاً الخلافات الداخلية اللبنانية، مع التشديد على ألا يكون الفلسطيني ضحية للخلافات اللبنانية المتأزّمة، والتي تدخل ضمن "بازار" المُزايدات السياسية، خاصة في قضيتي اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، لتغطية حقيقة خلافات انعكست داخل الحكومة وأيضاً في مجلس النوّاب.
خطورة دقّة المرحلة
يُدرك الحريصون خطورة ودقّة المرحلة التي تتطلّب وعياً بعد التأييد اللبناني للموقف الفلسطيني لرفض "صفقة القرن" و"ورشة السلام من أجل الازدهار"، التي عُقِدَتْ في المنامة بمملكة البحرين، ومُحاولات الإدارة الأميركية تدفيع الثمن للبنان وفلسطين لتصدّيهما لمُخطّطاتها التي تستهدف القضية الفلسطينية، ومن ضمنها ملف اللاجئين، وفي الطليعة المُتواجدين في لبنان.
وسُجّل أمس (الخميس) تطوّر هام، تمثّل بإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف العمل بالاتفاقات المُوقّعة مع الجانب الإسرائيلي، وتشكيل لجنة لتنفيذ ذلك، عملاً بقرار المجلس المركزي الفلسطيني، وذلك إثر اجتماع للقيادة الفلسطينية، ترأسه في مقر الرئاسة برام الله، بعد أقل من 24 ساعة على لقائه بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين في عمان.
الحريري
وشهد أمس، سلسلة من الاتصالات واللقاءات في إطار مساعي البحث لمُعالجة قضية عمل اللاجئين الفلسطينيين، في ضوء عدم انقشاع الرؤية لعقد اجتماع لمجلس الوزراء المعلّق انعقاده على صيغة الحل لحادثة قبر شمون، التي يتولّى مُتابعتها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وفي هذا الإطار، عقد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بعد ظهر أمس في السراي الحكومي، اجتماعاً مع الوزير أبو سليمان، في حضور رئيس "لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني" الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة والوزير السابق الدكتور غطاس خوري، تناول موضوع اليد العاملة الفلسطينية في لبنان.
بعد الاجتماع قال أبو سليمان: "بحثنا في تداعيات خطّة وزارة العمل على اللاجئين الفلسطينيين، وهناك إقرار بأنّ هناك وضعاً خاصاً للأجراء الفلسطينيين، مُقارنة بالعمّال الأجانب، والقانون اللبناني يعترف بذلك. كما جرى البحث في سُبُل تسهيل المستندات اللازمة لحصول الأجراء الفلسطينيين على إجازات العمل، التي يفرضها القانون اللبناني، وكان البحث إيجابياً، وسأعقد اجتماعاً الأسبوع المقبل مع فريق عمل الوزارة والإخوة الفلسطينيين، لنطّلع على هواجسهم بالنسبة إلى هذا الموضوع، وتبسيط الإجراءات قدر المُستطاع ضمن سقف القانون اللبناني، الذي لا يُمكن الخروج عنه".
وكان الوزير أبو سليمان قد عقد اجتماعاً في وزارة العمل مع الوزير السابق منيمنة، في إطار متابعة خطة تنظيم اليد العاملة غير اللبنانية، وتحديداً عمالة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
"مجلس الأمن الفرعي" جنوباً
وفي السياق، استحوذت التحرّكات والتظاهرات التي تشهدها المخيمات الفلسطينية، على مُناقشات "مجلس الأمن الفرعي" في الجنوب، الذي عُقِدَ صباح أمس (الخميس) بدعوة ورئاسة محافظ الجنوب منصور ضو، في سراي صيدا الحكومي، في حضور ممثّل عن النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب، قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في محافظة لبنان الجنوبي، حيث جرى البحث في أمور عديدة، أبرزها: تحرّكات اللاجئين الفلسطينيين في صيدا والمخيّمات وتأثيرها على الأوضاع العامة.
وبعد التداول أكد المجتمعون "وجوب الاستحصال على الموافقات الرسمية اللازمة عند إقامة أي تجمّعات أو تظاهرات أو مسيرات مهما كان نوعها، وذلك تحت طائلة المساءلة والملاحقة القانونية".
واتفقوا على "مُتابعة قمع ظاهرة السيّارات المُخالِفة والزجاج الداكن والدراجات النارية والكهربائية غير المُستوفية للشروط القانونية والإدارية".
وقرّروا "إبقاء اجتماعاتهم مفتوحة لمُواكبة أي تطوّر أمني قد يحدث، بُغية مُعالجته فوراً حفاظاً على الأمن والسلامة العامة".
تواصل الإضراب
واحتجاجاً على إجراءات التضييق على الفلسطينيين ومطالبة بحقوقهم المشروعة الإنسانية والاجتماعية وتعزيزاً لمواجهة "صفقة القرن" التصفوية وتأكيداً على التمسّك بحق العودة ورفض مؤامرات التوطين والتشريد، دعا "اللقاء السياسي الشعبي اللبناني - الفلسطيني" أبناء الشعبين اللبناني والفلسطيني للمشاركة في التظاهرة الجماهيرية في صيدا مساء يوم الثلاثاء المقبل، تنطلق من ساحة الشهداء الساعة 7.00، وتُختتم في ساحة النجمة بكلمة للأمين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري" النائب الدكتور أسامة سعد.
هذا، ويستمر الإضراب وإقفال مداخل مخيّم عين الحلوة، حيث لم يُسمح بخروج إلا الحالات الطارئة، في ظل دعوات لانطلاق مسيرات في المخيّمات الفليطينية، وإطلاق مناطيد ليلية مساء اليوم (الجمعة) في مخيّم شاتيلا، تحمل أعلاماً لبنانية وفلسطينية، وشعارات تؤكد على رفض التوطين وحق العيش بكرامة.
وأعلنت "لجنة الحراك الشعبي في مخيّم عين الحلوة" عن أنّه "تأكيداً على وحدة الموقف الشعبي، وتقديراً لدور تجّار عين الحلوة، لا سيّما تجّار سوق الخضار، وتخفيفاً عن كاهل أهلنا، وتعزيزاً لصمودهم من أجل مواصلة الحراك واستمراره.. نعلن عن فتح طريق درب السيم يوم غدٍ (السبت) من الخامسة صباحاً حتى الخامسة عصراً، لتزويد التجّار والأهالي بكل ما يُسهم لتواصل الحراك واستمراره".
"هيئة العمل الفلسطيني"
إلى ذلك، جرى تشكيل "لجنة متابعة مركزية" منبثقة عن "هيئة العمل الفلسطيني المُشترك" في لبنان، وجرى تسمية أعضائها الخمسة، هم: عضو المكتب السياسي لـ"جبهة التحرير الفلسطينية" صلاح اليوسف "مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، ممثّل "حركة الجهاد الإسلامي" في لبنان إحسان عطايا "تحالف القوى الفلسطينية"، أمير سر "الحركة الاسلامية المجاهدة" الشيخ جمال خطاب "القوى الإسلامية"، نائب الأمين العام لحركة "أنصار الله" ماهر عويد، واللواء منير المقدح مسؤول أمن المخيّمات الفلسطينية في لبنان.
ومهمة هذه اللجنة وضع خطة عمل تُحاكي الحراك السياسي والشعبي في المخيّمات.
استقالة العدوي
في غضون ذلك، عُقِدَ اجتماع في مقر "الاتحاد النقابي والشعبي الفلسطيني" في لبنان بمدينة صيدا، برئاسة أمين سر حركة "فتح" وفصائل "منظّمة التحرير الفلسطينية" في لبنان فتحي أبو العردات"، بعد تقديم أبو يوسف العدوي استقالته من أمانة سر الفرع وقبولها، حيث تقرّر تكليف عضو المجلس الوطني الفلسطيني عبد القادر عبدالله، بصفته الأمين العام لـ"اتحاد النقابات"، الإشراف على فرع "اتحاد نقابات عمّال فلسطين" في لبنان إلى حين عقد المؤتمر.
وجاءت استقالة العدوي، بعد زيارة وفد الاتحاد لوزير العمل أبو سليمان.