لفت نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني خلال توقيع الكاتب وائل خير كتابه تحت عنوان "من يدحرج الحجر" مصير مسيحيي الشرق في قاعة "ال نهيان" في جامعة البلمند في الكورة إلى أن "المسيح من عندنا، كلمة استذكرها قالها المثلث الرحمات البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم خلال ترؤسه قداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس في لندن احتفالا بانضمام 12 من رعية من الكنيسة الانكليكانية الى الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية في عام 1997. قال في تلك العظة، متوجها الى مسيحيي الغرب، اننا رأينا وجه المسيح، وتكلمنا معه وتشاركنا معه المأكل والمشرب".
وأشار إلى أن "الطائفة، وهي الشعوب التي اتخذت من الكنيسة مرجعا وبيتا روحيا لها، وبنت حياتها وثقافتها حول الكنيسة وشكلت الرأس الثاني لهيكلية المجتمع المسيحي عامة والأرثوذكسي خاصة. فعلامة الارثوذكسية نسر ذي رأسين ، بناء على المبدأ المسمى باليونانية Symphonya، الذي يدل على التكامل بين الاكليروس والعلمانيين في جسم الكنيسة"، لافتاً إلى أن "الثقافة التي انبثقت من المجتمعات التي نشأت فيها الكنيسة الارثوذكسية بدءا بشرق المتوسط وصولا الى اوروبا وروسيا. وكانت هذه المجتمعات تعيش في ظل امربراطوريات عظمى، متطورة بالفكر والمعرفة، معروفة بعراقتها وإلمامها بالفنون والفلسفة، والتطور العلمي، فأتى ايمانها عن يقين وإدراك وارادة. ونتيجة لذلك، امتزجت تعاليم المسيح بتقاليد تلك الحضارات فانتجت عراقة وتواضعا في الوقت عينه".
وأضاف "عانت الارثوذكسية كما المسيحية بشكل عام، الكثير من الاضطهاد عبر العصور . فأتتها النكسات من الشرق ومن الغرب، لكنها لم تندحر . وكان سر استمراريتها هو قدرتها على التأقلم مع محيطها، فالحضارة الارثوذكسية هي حضارة انفتاح وقبول الآخر واحترامه، مع الحفاظ على استقامة المبادىء والرأي والكنيسة الارثوذكسية مبنية على هيكلية ادارية لا مركزية، للأبرشيات فيها الاستقلالية الادارية، وبالتالي مرونة كبيرة في التأقلم مع المجتمع المحيط، مع وجود روابط وثيقة مع الابرشيات الاخرى في المجتمع وبين مجامع الكنائس الارثوذكسية المتعددة جغرافيا، مما يعطيها قوة ودعما على نطاق واسع. فاذا ضعفت احدى الكنائس بسبب تحديات تواجهها في مجتمعها، هبت الكنائس الاخرى للمساعدة، او على الاقل استمرت بالوجود من دون ان تتأثر بانتكاسة شقيقتها، اضافة الى ذلك، فان لا مركزية الكنيسة الارثوذكسية اعطتها قدرة على التعاون مع سياسات دول متعددة قد تكون متناقضة. فيمكن لكنيسة ان تكون قريبة من نظام سياسي معين وكنيسة اخرى من نظام آخر. لكن التعاون يبقى قائما بين الكنيستين. واذا قوي نظام على آخر يأتي الدعم للكنيسة من النظام الاقوى وهذا ما ساعد الارثوذكسية على الاستمرار في وقت كانت تنافس من حضارات اخرى غربية وشرقية".
وتابع حاصباني "وضع الكنيسة الروسية مثلا في القرن العشرين كان صعبا جدا في ظل الثورة البولشفية، حيث عانت الكنيسة من 1997 وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي قمعا واضطهادا كبيرين، لكنها حافظت على وجودها وحصلت من وقت لآخر على دعم من دول الغرب التي كانت تضغط على النظام السوفياتي لإعطاء حرية اكبر لممارسة المعتقدات وبقيت الكنيسة تعمل حتى اصبح من الضروري للسياسيين اخذ المؤمنين بالاعتبار واعيدت الى الضوء في عهد غورباتشوف ضمن اصلاحات "البيريستروكا" عندما ضعف النظام القائم. واليوم نرى الكنيسة الروسية تلعب دورا اساسيا في المجتمع ولها وقع كبير على السياسة الروسية".
وأفاد بأن "في حين كانت الكنيسة الارثوذكسية الروسية مضطهدة، كان وضع الكنيسة اليونانية يتحسن حيث توسع انتشارها حول العالم وكان لها وقع ضمن اوروبا مع نشوء الاتحاد الاوروبي ودورها في الولايات المتحدة من خلال انتشار ابرشياتها هناك، اضافة لكل هذه العوامل، فان غزارة الانتاج الفكري الارثوذكسي، وانتشار المؤسسات العريقة، ساهم في الحفاظ على هذه الحضارة حتى ولو كانت تعيش ظروفا صعبة. ففي ظل السلطنة العثمانية كانت المؤسسات الارثوذكسية تنتشر في المنطقة وكانت الابرشيات تتفاعل مع مجتمعاتها والمدارس تدرس الطلبة والمستشفيات تنمو، وكان للكنيسة اليونانية دور مهم عبر ابنائها الذين برعوا في التجارة والطب والهندسة فتركوا آثارا ومعالم وتاريخ خلد هذه الحضارة".
واشار حاصباني الى ان "كل هذه العوامل موجودة في كنيستنا الانطاكية المشرقية. وبالرغم من المخاطر المحدقة بها، فان انتشار ابنائها وابرشياتها حول العالم، من شأنه ان يؤمن لها الدعم والاستمرارية اذا عملت بتكامل وتكافل بين ابنائهاة ومؤسساتها، اما في الوجود المسيحي ككل، فهو لا شك انه مهدد في الشرق ، وليس للمرة الاولى. في العراق هبطت اعداد المسيحيين سريعا بعد الغزو الاميركي. ما تبقى كادت تقضي عليه داعش. في سوريا استعرت نيران الحرب الاهلية مهددة الوجود المسيحي، في مصر قتل الكثير من الاقباط على يدي تنظيم الدولة. يأتي هذا بعد اكبر تدمير للكنائس المصرية منذ القرن الرابع عشر على يدي مؤيدي الاخوان المسلمين في 2013"، مؤكداً انه "في ظل الصراعات الكبرى الدائرة عالميا واقليميا لا بد من تفعيل الحوار بين الاديان والتفاعل بين الدول التي تتخذ الاديان مراكز كبرى فيها".