باتت الأزمة السّياسية التي ترزح تحتها البلاد منذ أسابيع تتخذ مع مرور الوقت بُعدا وجوديا مع تشدّد أفرقاء الصراع بمواقفهم، ما يجعل أقل تنازل يقدمه هؤلاء بمثابة انكسار له وللمحور الذي ينتمي اليه، أضف الى ذلك انعدام الحلول الوسطيّة التي قد تشكل خرقا في الجدار الذي بات متعدد الطبقات. فحتى الأجواء الايجابيّة التي لطالما حاول الوسطاء اشاعتها بحديثهم منذ أكثر من أسبوعين عن "طبخات" شارفت مرحلة الاستواء، تلاشت تلقائيا مع رفع الفريقين الدرزيين المعنيين المباشرين بالأزمة سقفهما كثيرا، في ظل احتدام المواجهة "التويترية" بينهما.
وتستبعد مصادر في قوى 8 آذار أن يتمّ ابتكار ايّ حلّ خلال الايام التي تسبق عطلة عيد الأضحى، لافتة الى ان هناك 3 مواقف متناقضة تشكل نوعا من المثلّث التعطيلي، الموقف الاول لرئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" طلال ارسلان ومن خلفه "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" حيث يتمسّكون باحالة ملفّ "قبرشمون" الى المجلس العدلي. الموقف الثاني لرئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط و"القوات اللبنانية" الرافض لطرح المجلس العدلي بالشكل والمضمون، أما الموقف الثالث فهو لرئيسي مجلس النواب نبيه برّي والحكومة سعد الحريري الرافض للاملاءات والشروط المسبقة، سواء برفض الاحالة الى المجلس العدلي او السير فيها، ويتمّسكان بانعقاد مجلس الوزراء.
وتشير المصادر، الى أن ترجمة هذه المواقف عمليا تكشف حجم المأزق، فالفريق الاول والذي من المتوقع ان ينضمّ اليه وزير "المردة" يمتلك ككل 15 وزيرا في ايّة عملية تصويت مرتقبة، فيما يمتلك الفريق الثاني 6 وزراء مقابل 9 وزراء للثنائي الحريري–بري، لافتة الى ان توزيع الاصوات بهذه الطريقة لا يسمح لايّ منهم بفرض موقفه على الآخرين الا اذا تغيّب احد الوزراء وحضر كامل الطاقم الاوّل ما يتيح عندها باحالة الموضوع الى المجلس العدلي. إلاّ أن الحريري يرفض المخاطرة بأيّ من السيناريوهات المطروحة ويبدو مُحرجًا من عدم التجاوب مع ايّ طلب لرئيس الجمهوريّة ميشال عون لعقد جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا، لأنه لن يكون قادرا عندها على منع الرئيس من ممارسة احدى صلاحياته الدستوريّة بطرح الملفّ من خارج جدول الأعمال.
ولعلّ أكثر ما يجعل الحريري متردّدا في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد هو معرفته من ان ظاهر الازمة هو كباش درزي–درزي بين جنبلاط وارسلان، لكن في باطنه هناك مواجهة مفتوحة يتجنّب العونيون تظهيرها بين "التقدمي الاشتراكي" و"الوطني الحرّ" لاعتبار الاخير ان ما حصل في الجبل كان موجّها ومعدًّا لرئيس "التيار" جبران باسيل وليس لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب. وتضيف المصادر: "لذلك سقط ايضا طرح تغيّب الوزراء الدروز عن ايّة جلسة، والذي قرأ فيه كثيرون خفّة في التعاطي مع الموضوع وتبسيطا له لن يسمح به فريق 8 آذار".
وتذهب المصادر أبعد من ذلك، بالتنبيه من سيناريو مشترك داخلي–خارجي بتفجير الوضع ككلّ، وتعتبر انّ جديّته ستتّضح خلال الايام القليلة المقبلة. فالى متى يبقى البلد أسير التعطيل؟ وهل تلويح الحريري بالاستقالة جزء من الضغوط التي يمارسها لانقاذ حكومته او انه قد يُقدم عليها في حال نفاذ صبره؟.