كان لافتاً منذ ايام قليلة الموقف الذي صدر عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والذي اعتبر فيه انّ "سيناريو سيّدة النجاة يتكرر مع رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط" معرباً عن استمراره في الوقوف الى جانبه. الموقف بحد ذاته يعتبر غريباً في الشكل والمضمون، ففي الشكل تعتبر جريمة كنيسة سيدة النجاة حادثة أليمة جداً استهدفت صرحاً دينياً بعبوة متفجرة، فيما حادثة قبرشمون تختلف كلياً لجهة الاختلاف على توصيفها بين محاولة اغتيال وخلاف تطور الى اطلاق نار، وفي الحالتين فإن الظروف غير مشابهة، ناهيك عن ان الخلاف هو على احالة الحادثة الى المجلس العدلي ام لا، اي انها سياسية بامتياز.
اما في المضمون، فحادثة سيدة النجاة شكّك بها جعجع ومؤيدو القوات اللبنانيّة بسبب اتهامهم للنظام الامني السوري في "الباس" التهمة لجعجع، في ظل الاحتلال السوري في حينه للبنان. اما اليوم، فالقوّات اللبنانية من اوائل المعترفين بأنّ النظام الامني السوري لم يعد موجوداً في لبنان، وتتمحور اتهاماتهم فقط حول محاولات البعض اعادة النفوذ السوري (سياسياً) الى لبنان. وبالتالي، فإن هناك الكثير من التناقض في كلام جعجع في تشبيهه هذا، ويمكن القول انه لم يكن موفقاً.
اما من الناحية السياسية، فمن الاسهل ان يفهم المرء ما هدف اليه جعجع من كلامه، فهو اراد التركيز على ان الوضع الحالي لرئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط من الناحية السياسية، مشابه لوضعه في العام 1994 تاريخ حصول جريمة تفجير الكنيسة، وبالتالي انضم الى الموقف القائل بأن المطلوب هو "رأس جنبلاط" سياسياً طبعاً. ويرى البعض ان جعجع رفع من سقف الاتهامات في هذا المجال، اما لترسيخ المصالحة مع جنبلاط، او "نكاية" بوزير الخارجية جبران باسيل و"حزب الله". ووفق مسار الامور، فإن الفكرتين قريبتان من المنطق، فالتقرّب من جنبلاط يرفع اسهم جعجع في الجبل، ويعيد اليه صورة مغايرة لتلك التي ارتسمت منذ عقود من الزمن، فيغدو من ركائز تعزيز المصالحة. هذه الصورة الجديدة تساعد في الوقت نفسه على ضرب صورة الوزير جبران باسيل الذي اخذ منحى مغايراً عبر وقوفه سياسياً ضد جنبلاط من جهة، ولم يتّفق مع القوات اللبنانية وجعجع من جهة ثانية، وبات اليوم في الجبل وكأنه "مثير النعرات والمشاكل" واحد العوائق الاساسية لعدم انهاء المصالحة واغلاق ملف المهجّرين رغم تسلّم "التيار الوطني الحر" هذه الوزارة ووعوده بإقفالها في فترة قريبة.
يبدو باسيل حالياً القاسم المشترك الذي يجعل التلاقي بين جعجع وجنبلاط سهلاً، ولكن هل صحيح ان المطلوب هو الغاء رئيس الاشتراكي من الحياة السياسية؟ قد يكون هذا السؤال مضخّماً بعض الشيء، لانه من الواضح وجود محاولات لـ"تحجيم" وضع جنبلاط وليس الغاء دوره، خصوصاً وان رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال من الداعمين الرئيسيين له، اضافة الى انه يملك حيثية درزية مهمة لا يمكن تجاهلها، كما ان التجارب في لبنان عبر السنوات، اظهرت انه لا يمكن في لبنان الغاء اي زعيم سياسي من الحياة السياسية (حصلت اغتيالات لبعض المسؤولين انما مثل هذه القرارات لا تتخذ على صعيد محلي او اقليمي حتى، والاجواء الدولية غير مؤاتية -والحمد لله- لعودة مثل هذه السيناريوهات المؤلمة والكارثية)، ولعل ما حصل مع جعجع نفسه خير دليل على ذلك، فقد "تقلّص" حجم ودور القوات اللبنانية لفترة من الوقت دون ان يعني ذلك الغاءها او رئيسها من الحياة السياسية، وما ينطبق على هذا الحزب ينطبق ايضاً على غيره، سواء كان من الاحزاب الكبرى المسيحية او الاسلامية او الدرزية.