لا ابالغ اذا قلت انني أحب الأول من آب من كل سنة لاقرأ ما يكتبه الناس والصحافيون وغيرهم عن الجيش اللبناني في عيده. صحيح ان ليس كل ما يُكتب قد ينبع من القلب، وربما يكون ترداداً لكلمات مجاملة، او ارضاء للرأي العالم ولموجة الغالبيّة الساحقة من اللبنانيين المؤيّدة للجيش، انما تشكّل الاجواء العامة للكلمات التي تكتب في هذه المناسبة، فسحة امل ومساحة تنفس مليئة بـ"الاوكسجين" الذي نحتاجه في لبنان من اجل الاستمرار في الحياة.
في كل الاحوال، اثبت تاريخ لبنان الماضي والمعاصر ان كل الطرق في لبنان لا بد وان تؤدي الى الجيش، لانه بات متجذراً بهذا البلد ولا يمكن فصله عنه في السراء والضراء. ويعلم اللبنانيون انه حين تعرض الجيش للانقسام، باتت هوية لبنان على كفّ عفريت وكاد ان يختفي عن الخريطة. كما يعلم الجميع ان الرهان الخارجي من اجل بقاء لبنان، لم يكن على السياسيين والزعماء فيه، بل على الجيش. ففي حين انه غالباً ما يكون دور المسؤولين والسياسيين سلبياً وسبب انقسام ومشاكل، يبقى دور المؤسسة العسكرية دائماً انقاذياً ومحطّ ثقة داخلية وخارجيّة على انها الحل الذي يرضي الجميع ويؤسس لانقاذ لبنان من اي مشكلة تعترضه، وهي حاصلة سلفاً على دعم اللبنانيين الى اي فئة او طائفة انتموا.
هذه المكانة الخاصة للجيش لم تأت من فرغ، بل استحقها بفضل ممارساته وتضحياته وبسالته واندفاعه، من هنا كانت "فضيحة الرشاوى الماليّة" التي طالته بمثابة صدمة حقيقيّة للجميع، الا ان القيادة تعاملت معها بشفافيّة واستطاعت ان تعيد الامور الى نصابها بفضل الاجراءات التي اتخذتها من جهة، والتشدد في المراقبة والتعاطي مع التطويع لصالح الجيش ثانياً، ما قطع الطريق امام استغلال هذه الحادثة او تضخيمها لاستهدافه وتلويث صورته وسمعته التي كلّفته دماء شهدائه لبنيانها. وتكمن قوته انه قادر على لعب ادوار كثيرة بامكانات قليلة، فهو يحمل مسؤولية الانتشار على الحدود والحفاظ عليها، ويتولى ايضاً رصد الارهابيين والمجرمين والمخلّين بالامن، ويعمل على مواجهتهم وفق درجة خطورة ما يقوم به هؤلاء. واذا كان من المجحف عدم اعطاء اي دور للقوى الامنيّة الاخرى في مكافحة الارهاب والجريمة والمحافظة على الامن، الا ان الركن الاساسي لهذه الامور يقع على عاتق الجيش، بدليل انه عند اي استحقاق يُطلب الى القوى الاخرى مؤازرة الجيش في تنفيذ المهام المطلوبة، الا في حالات محدّدة ونادرة حيث يكون العكس صحيحاً. حتى خلال الكوارث الطبيعية، يكون الجيش حاضراً لمساعدة المواطنين ومواجهة الحرائق والفياضانات وغيرها، كما ان لعناصره بصمات واضحة في مسائل محاربة التلوّث والحفاظ على المساحات الخضراء وازالة العوائق والحواجز. وبين هذا وذاك، يبقى الجيش مصدر امان واطمئنان للبنانيين وبالاخص للاطفال الذين يتفاعلون معه بعفويّة وحريّة، وهو ما يتجلّى في الزيارات المدرسيّة والكشفيّة ولجمعيات رياضيّة واجتماعيّة تتعرف الى فرق النخبة فيه وتجول في ارجاء ثكناته وتختلط مع الجنود وتتآلف مع الاسلحة التي يستعملونها (بمراقبة وتدابير خاصة يتخذها من اجل ضمان وسلامة الاطفال)، والآليات ويعيشون لحظات لا تنسى.
ليس من السهل ارضاء الجميع خصوصاً في لبنان، ولكن للجيش قدرة خاصة على ذلك، وهذا ما يعطيه ميزة اضافيّة للدخول الى قلوب اللبنانيين وجعله معادلة اساسيّة في بقاء لبنان وتثبيته في بيئته الشرق اوسطية في ظلّ كل الصعوبات والمشاكل المحيطة بهذه البقعة الجغرافية الصعبة.