مع توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب نائب عن المقعد الشيعي في الدائرة الصغرى في صور، الّذي شغر بعد استقالة النائب نواف الموسوي، في الخامس عشر من أيلول المقبل، يمكن القول إنّ المعنيّين أداروا محرّكاتهم الانتخابية، تمهيداً للمعركة المنتظرة.
ومع أنّ الانتخابات الفرعيّة ستجري وفقاً للنظام الأكثري، ما يعني أنّ نتيجتها شبه محسومة سلفاً، نسبةً إلى النتائج المحقّقة في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وفي ضوء التحالف المستمرّ بين "حزب الله" و"حركة أمل"، فإنّ المؤشرات الأولية أوحت بأنّ المعركة محسومة أيضاً، بدفعٍ من معارضي الثنائية الشيعية، ولو لتسجيل الموقف.
وفي حين لم تعلن قيادة "حزب الله" هوية المرشح الذي ستخوض من خلاله المعركة حتى الآن، ولو انتشرت بعض الأسماء ربما على طريقة "جسّ النبض"، ثمّة من يرسم علامات استفهام عن موقف "أمل"، التي لا تبدو معنيّة بالاستحقاق، بل ثمّة من يتحدّث عن رغبة بعض قواعدها بتسجيل موقفٍ مغاير، ولو عبر الإحجام عن المشاركة...
لا للتزكية؟!
في المبدأ، قد يكون الذهاب إلى التزكية الخيار الأنسب للجميع في انتخابات صور الفرعية، لأسبابٍ واعتباراتٍ عديدة، أولها تفادي معركةٍ انتخابيّةٍ قد لا يكون الوقت مناسباً أو ملائماً لها، في ظلّ الأزمات الكثيرة التي تواجهها البلاد، فضلاً عن توفير كلفة الاستحقاق الباهظة نسبياً على مختلف الأصعدة، خصوصاً أنّ هذه الانتخابات تبدو لكثيرين معلّبة، ونتائجها معروفة سلفاً، بغضّ النظر عن أسماء المرشحين وانتماءاتهم.
لكن، وبمُعزَلٍ عن كلّ هذه الاعتبارات، يبدو واضحاً أنّ هناك توافقاً ضمنياً بين جميع اللاعبين على فرض المعركة، وعلى رأس هؤلاء "حزب الله" بطبيعة الحال، الذي لا يجد ضيراً في الذهاب إلى معركة، يمكن أن يحوّلها إلى "استفتاء" شعبي جديد، من شأنه أن يخدمه في مواجهة التحديات المحدقة به. ومن هنا، يعتبر الحزب أنّ من مصلحته استعراض قوته الشعبية مجدّداً، بما يشكّل رداً على العقوبات الدولية التي تُفرَض عليه، ومحاولات عزله، كما حصل أخيراً بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات على اثنين من ممثليه في البرلمان، ودعوتها الحكومة إلى عدم التعامل معهما.
وإذا كانت الانتخابات تخدم "حزب الله" من هذه الناحية، لجهة دحض كلّ الإشاعات عن مواجهته أزمة شعبية في بيئته الحاضنة، فإنّ معارضيه من جهتهم، لا يجدون مصلحةً في التسليم بنتيجة المعركة سلفاً، والذهاب إلى التزكية، علماً أنّ هناك أكثر من وجهة نظر في صفوفهم، يمثّل إحداها المعارض الأبرز للحزب والمرشح الدائم عن دائرة الزهراني رياض الأسعد، برفضه خوض الاستحقاق، لانعدام مقوّمات المعركة عنه. إلا أنّ المؤشرات توحي بتفوّق وجهة النظر الأخرى، التي يقف وراءها عددٌ من المستقلين، بالإضافة إلى الحزب "الشيوعي"، والذين يريدون المعركة ولو لتسجيل الموقف ليس إلا، في رغبةٍ منهم بتثبيت حضورهم في الجنوب، وعدم تصويره وكأنّه يغرّد بالكامل في سرب "الثنائية الشيعية".
"أمل" غير معنيّة؟!
عموماً، يتّفق الجميع على أنّ معركة صور الفرعيّة، إن حصلت، ستكون شكليّة لا أكثر، وأنّ الانتصار فيها سيكون حليف مرشح "حزب الله"، أياً كان، وبغضّ النظر عن كلّ الملابسات والتفاصيل التي تحيط بالاستحقاق، الذي يبدو في مكانٍ ما أشبه بانتخابات طرابلس الفرعيّة الأخيرة، والتي تكتّلت فيها جميع القوى النافذة إلى جانب مرشحة "تيار المستقبل" النائب ديما جمالي، وإن خذلتها نسبة التصويت الهزيلة والضعيفة يومها.
لكن، أبعد من نتيجة الانتخابات التي يدرك الجميع أنّها لن تكون مفاجئة، خصوصاً أنّ "حزب الله" لن يعجز عن تعبئة جماهيره ودفعهم إلى النزول إلى صناديق الاقتراع، تتّجه الأنظار إلى موقف "حركة أمل" من المعركة، هي التي لا تبدو معنيّة بالاستحقاق من قريب أو من بعيد، وإن كان شبه مؤكَّد أنّها لن تتردّد رسمياً في إعلان دعمها لمرشح "حزب الله"، عملاً بالاتفاق الانتخابيّ التاريخيّ بين الجانبين حول تقاسم المقاعد النيابية بينهما، والذي تمّ العمل بموجبه في الانتخابات الأخيرة في العام الماضي.
لكن، إذا كانت الحركة ملتزمة رسمياً بهذا الاتفاق، من دون أيّ نقاشٍ محتمَل، في ظلّ حرص قيادتها على استمرار التحالف "الوثيق" مع الحزب، ثمّة من يتحدّث، في قواعدها خصوصاً، عن أنّ الاستحقاق سيشكّل فرصة لردّ الاعتبار، بعد "الخلل" الذي شاب الانتخابات الأخيرة في دائرة صور تحديداً، والتي لطالما اعتُبِرت معقلاً لـ "أمل"، فإذا بنائب "حزب الله" المستقيل نواف الموسوي يتصدّر لائحة المرشحين، متفوّقاً على مرشحي الحركة. ومن هنا، ثمّة حديثٌ جدّي في أوساط الحركة، عن نيّة القواعد بالإحجام عن المشاركة، علماً أنّ الذريعة قد تكون متوافرة، وهي أنّ لا مقوّمات لمعركةٍ حقيقيّة، وأنّ لا ضرورة بالتالي لتحريك الماكينات الانتخابية لـ "أمل" أصلاً، طالما أن المعركة ليست معركتها.
ولعلّ ما يعزّز هذه "الفرضية" في مكانٍ ما، وجود انطباعٍ بأنّ العلاقة بين جماهير "حزب الله" و"حركة أمل" ليست في أحسن أحوالها في هذه الفترة، في ضوء "التباين" الذي تصاعد بين الجانبين مؤخراً، سواء على خلفية حادثة البساتين التي اصطفّ فيها "الحزب" بوضوح في مواجهة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، فيما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يسانده بوضوح، أو على خلفيّة التحالف المستمرّ بين "الحزب" و"التيار الوطني الحر"، والذي لا تزال الحركة غير قادرة على الانخراط ضمنه، على رغم كلّ المحاولات التي بُذِلت وتُبذَل، وكان آخرها ما حُكي عن صياغة ورقة تفاهم بين الجانبين.
جسّ نبض؟!
لن تكون الانتخابات النيابية الفرعية في صور، إذا ما حصلت، مناسبة لجسّ النبض حول استمرار الحاضنة الشعبية التي يتمتّع بها "حزب الله" جنوباً، ولا فرصة لمعارضيه لتحقيق خرق نوعيّ، لا يزال مُستبعَداً حتى إشعار آخر، باعتبار أنّ المعطيات المتوافرة تستبعد حصول أيّ مفاجآت، من أيّ نوع.
إلا أنّ هذه الانتخابات قد تكون في مكانٍ ما، فرصةً لجسّ النبض حول واقع العلاقة بين "حزب الله" و"حركة أمل"، في ضوء "الحروب الباردة" بين قاعدتيهما الجماهيريتين، والتي باتت تُشَنّ في العلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن تتّضح أسبابها الجوهرية أحياناً، وإن تنصّلت منهما القيادتان.
يبقى الأكيد، وسط كلّ ذلك، أنّ مثل هذه الانتخابات، وبعيداً عن بعض التفاصيل والرسائل الهامشيّة، لن تغيّر شيئاً في المعادلة على كلّ المستويات، معادلةٌ يتمسّك بها "حزب الله" و"أمل" على حدّ سواء، حتى الرمق الأخير...