قد يكون السبب المباشر الذي دفعني إلى هذا العنوان فوز زميلنا ألكسندر بوريس دو بيفل جونسون، صاحب الشعر الأشقر الذي يسبقه ليناديك بإلتماعته فيبهرك ولو كنت في عتمة فلسطين أو في نائي الكرة الأرضيّة أو تنتظر في لبنان مصباحاً كهربائيّاً على رصيف الحكومة.
فاز زميلنا بمنصب رئيس الوزراء في بريطانيا العظمى في (22/7/2019) خلفاً لتريزا ماي التي تمطّت بمنصبها وتصلّبت وآلت إلى ما كان متوقّعاً. مبروك. وسافر شقيقه إلى إسطمبول ينبش الجذور العائلية التركيّة الإسلامية المتمثّلة بجده علي كمال بك (1867-1922)، الشاعر والصحفي والسياسي ووزير الداخلية التركي الذي اصدر مذكرة اعتقال بحق أتاتورك، ثم اختطف واغتيل بتهمة الخيانة العظمى. مبروك أيضاً لأخيه الذي قد يصفّق له أوباما، لكن بوريس لا تعنيه جذوره كثيراً إذ فاز في مسابقة نظم أفضل قصيدة هجائية ساخرة من أردوغان. صراع الأشقّاء منذ قايين وهابيل.
لماذا زميلنا؟
لتمرّسه بصناعة الشهرة عبر الصحافة التي إمتهنها في "التايمز" و"الدايلي تلغراف" و"السبيكتيتور" قبل تجربته البرلمانية ليعود إلى مطابخ التحرير وكتابة المقالات ثمّ يصعد السلّم مجدّداً نحو البرلمان وعمدة لندن ووزير الخارجية البريطانية وزعيم حزب المحافظين.
هناك سبب ثان هو إنشغال الصحافة اللافت به بإعتباره شخصيّة مسليّة مثيرة للجدل وجاذبة بدعابتها وشعبويتها الواسعة وعشقها للكسل والإرتجاليّة التي تجعل لسانه يسبقه كي تخرج السياسة من الباب قبل وصوله أحياناً كثيرة. تلك صفات تستدعي المجادلات والدعابة التي قد لا يستنفدها المتابع حتّى بعد أن يكون زميلنا بوريس قد أنهى ربّما ولايته وأنهك زملاءه الصحافيين بظرفه.
سبب ثالث هو الربط الظاهر والمتدفّق والشيّق الذي يشغل الصحافة وتبادل الأحاديث بين صورتين متشابهتين في الشعر والشكل والمنطق والسلوك والقناعات وزلاّت اللسان والقرارات إلى حدود النجومية الطاغية:
نجوميّة رئيس وزراء بريطانية بوريس (المولود، للمصادفة، في نيويورك 1964) ونجوميّة شبيهه الرئيس دونالد ترامب "ماليء الدنيا وشاغل الناس" بشعره الأشقر وسلوكه وقفشاته وتغريداته وما نحن فيه من توصيفات في صناعة الصور الحديثة المتبدّلة للقادة حتّى بالتهريج والتناقض، وعوالم الصحافة المهووسة بعلوم صناعة النجومية التي يمتهنها إختصاصيون يعرفون بال Pin Doctors ينافسون إلتماعات الشمس والقمر والنجوم إلى درجة بروز المثل الشعبي الصارخ:
ربّ أخ لك لم تلده أمّك.
لم يعلق بالذهن من تلك الصناعة اللمّاعة لصور الرؤوساء والأبطال بين القديم والحديث في ذهني سوى "نخعة" الرئيس بوريس مفتتحاً بها ولايته بصفته رئيساً لوزراء بريطانية من التصريح أنّ "حبّ إسرائيل هو في نخاعي". شممت رائحة كلامه ولم نكن ننتظر جديداً. ما زلنا واقفون إذن أيها العرب في أوّل السطر. تلك المعضلة لازمة نشيد الأناشيد لرجال السياسة والنجومية في العالم. لن أجهد في توصيف النجومية الشقراء في الشعور والمشاعر والقناعات بين ترامب وبوريس في معضلة فلسطين التي أوصلت إلى تفكيك العرب قبل ربيع العرب بكثير وبعده وقبل الإرهاب وبعده وكأنّ فلسطين هي اللازمة لتدوين مصطلحات كتاب "الأمير" لميكيافللي وتطبيقاتها بتجاربها وكوارثها وحروبها المتوالدة والمستنسخة.
كان يمكنني السؤآل مثلاً عن عقدة الشخصيّات المعروفة من الأبطال والثوّار المسكونة بالنجومية في عصر آخر لكن لكلّ عصر أبطاله ونجومه. تلك النجومية كانت مختلفة محدودة الأعداد ومحصورة أو مرتبطة بشكلٍ وثيق بأمرين متلازمين أوّلهما المنصب الذي يعني السلطة سواء أكانت عسكرية أو سياسيّة أو فكرية أو حتّى فنّية وثانيهما الشهرة التي تؤمّنها وترسّخها وزارات وأدوات الإعلام والترويج المقنّن والمضبوط والمحصور. لكن لنعترف أن سلالة العظماء تنزلق فوق منحدر سحيق لا قرار فيه.
كان يمكنني تذكّر "إسرائيل" بين قوسين في لسان العرب وقد تعرّبت التسميات والمصطلحات أساساً عبر النافذتين المصرية سلماً واللبنانية حروباً لتزييت مفصّلات النوافذ العربيّة الأخرى والنجومية بالتسريب والتشريح والتنظير للتقارب العربي الإسرائيلي حيث "السلام المفقود" والمستحيل والقرارات والخطب الأممية المعلوكة المستنسخة التي تبقى داخل الأدراج إذ تطفأ الكاميرات.
وكان من الموت بقاء فلسطين ملفوفة بالحبر العربي والقرار الكوني وكلمات السرّ الباحثة عن شيفرة العدد الأوّل، جريحة ومحتلة ومغتصبة إلى تسميات وتوصيفات نازفة منذ سبعة قرون.
وكان يمكن قفز خطى النجم اللامع أنور السادات إلى نصّي يمشي متهادياً بسمرته الإفريقية في مطار بن غوريون (20 تشرين الثاني 1977) خاطفاً خطى العبور لقناة السويس الذي أدهش العالم (1973)، أو خاطفاً وقع أقدام إنسان يمشي على سطح القمر، وقافزاً في رحلة القدس فوق شلل الزمان والمكان ودورانه الثقيل في مستقبل فلسطين والقدس. كانت الأضواء المسلّطة على الزيارة والإغتيال مثقلة بفقاعات النجومية المدروسة البديلة عن موت السياسات الفاعلة.
وكان السؤآل الجوهري الذي أقلّد به أعناق نصوصي الإستفهامية:
لماذا يمتلكون لغة الغرب ويُسمعون زعماؤُه ما يسرّ هؤلاء لسماعه لكنّهم ليسوا مسموعين من شعوبهم إذ تنقلب بألف وجه ووجه الأحاديث لتنشر بعد موتهم فيحتلّ ويكيليكس وإخوانه وأحفاده نجوميات عارية فضائحية متراكمة مثل حقول الخيبة في الزمن العربي الكسيح.