لا يبدو ان نشاط جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الاميركي دونالد ترامب لشؤون الشرق الاوسط قد يخبو قريباً، فهو (على غرار عمّه كما يبدو) يربط بين الفوائد الاقتصادية والمالية التي يحصدها ومصير دول وشعوب في المنطقة التي قرر ان يتخصص فيها ولو دون خبرة سياسية ودبلوماسية. اسماء اميركية كثيرة تولّت ملف الشرق الاوسط قبل كوشنر وكانت اكثر حنكة ودراية واطلاعاً منه، ولا بد من ذكر بعضها التي حملت هذا الموضوع سابقاً ومنها على سبيل المال لا الحصر: هنري كيسنجر، فيليب حبيب، ريتشارد هولبروك...
وللامانة ايضاً لا يمكن مقارنة ترامب برؤساء اميركيين سابقين تركوا بصماتهم في المجال السياسي والدبلوماسي على غرار جيمي كارتر مثلاً الذي كان عرّاب اتفاق كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، بغض النظر عن تأثير هذا الاتفاق على العرب بشكل عام، وعن معارضته من قبل العديد من الدول العربية كونه لم يؤمّن السلام ولا الدولة المنشودة للفلسطينيين. اليوم، يعود كوشنر بطرح جديد ويجول على بعض الدول العربية: مصر والامارات والاردن وقطر والسعودية، اضافة الى الفلسطينيين لـ"تعويض" مشكلته السابقة مع "صفقة القرن" التي وجدت بعض العوائق الاساسية في دربها. الطرح الجديد يقضي بإعادة احياء روح كامب ديفيد علّه يحلّ على هؤلاء العرب ويصالحهم مع اسرائيل، بعد ان نجح المشروع مع المصريين والاردنيين، ويشكّل رافعة مهمة لـ"صفقة القرن" الغارقة في رمال المعارضة العربيّة والشروط الاسرائيليّة القاسية، فيتم انقاذها ويعود قطارها الى السكّة الصحيحة.
عصافير كثيرة ستصاب بحجر هذه القمة اذا ما عقدت، اولّها رفع شعبيّة ترامب وتعزيز حظوظه لفترة رئاسية ثانية بفضل نجاحه الاقتصادي الاميركي، وقدرته على تحقيق خرق مهم في الشرق الاوسط والصراع العربي- الاسرائيلي. اما الانجاز الثاني فسيكون لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي سيظهر امام الاسرائيليين وكأنه "غولدا مائير" او "موشي دايان" الجديد، وهو دور يتوق الى الحصول عليه منذ اكثر من عقد من الزمن. والانجاز الثالث الذي سيتحقّق، هو التركيز على أهميّة ما انجزه مشروع "صفقة القرن" من تقارب عربي-اسرائيلي وصل الى مشارف تطبيع العلاقة مع دول خليجيّة كالبحرين مثلاً، هذا الامر يشكل بذاته تطوراً مهماً لم يتفاعل كثيراً، وقد كان هذا الامر مقصوداً لتأخذ الامور مسارها بشكل طبيعي ودون ضجّة قد تؤدّي الى اعاقة هذا المسار. ولكن الانجاز الاهم بالنسبة الى كوشنر وترامب، ستكون كمية الاموال التي سيتم ضخها من قبل العرب لتمويل هذا المشروع ووضعه موضع التنفيذ، علّه يشكل، بالنسبة اليهم، طريق الخلاص من "الخطر الايراني"، ومن الممكن عندها تخطي كل المشاكل العربية-العربية (ابرزها السعودية وقطر) فتكتمل الصورة انّ "العرب الموحدين" للمرة الاولى منذ زمن بعيد، قرروا مصيرهم واختاروا السلام على الحرب.
انها لحظة المجد الاميركي (وتحديداً ترامب-كوشنر) ولكنها لا تزال لحظة خياليّة لا تقارب الواقع بشيء، ويمكن ان تبقى كذلك اذا ما فكّر العرب بمصلحتهم اولاً قبل المصلحة الاميركية او الاسرائيلية او خوفهم من ايران، وقد يوفّرون عندها الملايين من اموالهم التي يمكن استثمارها في امور تساعدهم وشعوبهم.
ليس كامب ديفيد-2 سلسلة من مسلسلات "كامب ديفيد"، فاللاعبون تغيّروا والدول المعنيّة تغيّرت، والأهم ان الاهداف تغيّرت ايضاً، ويبقى السؤال عن مدى استعداد الدول العربيّة التي قد تعمل على انجاح المشروع، لكتابة فصل جديد من تاريخ المنطقة قد لا تحصل فيه على شهادة ابراء من التاريخ او من الشعوب المعنيّة.