لفت مصدر نيابي بارز، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى "أنّه لا يحبّذ دعوة مجلس الوزراء للانعقاد ما لم تسبق دعوته تهيئة الأجواء لتحقيق مصالحة شاملة ولو على الطريقة "العشائريّة"، لأنّ من دونها لا ضمانات بعدم إقحام المجلس في اشتباك سياسي في ظلّ ارتفاع منسوب التوتر والاحتقان، مؤكّدًا أنّ "رئيس الحكومة سعد الحريري مع استئناف الجلسات الوزارية اليوم قبل الغد لأنّه صاحب المصلحة في إعادة تفعيل العمل الحكومي".
وكشف عن أنّ "رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتصدّر الرأي القائل بوجوب تحقيق المصالحة بصفتها ممرًّا إلزاميًّا يؤمّن للحكومة شبكة أمان سياسيّة تدفع في اتجاه تعويمها وإصلاح الأعطال السياسيّة الّتي ما زالت تعوق انعقاد مجلس الوزراء"، مركّزًا على أنّ "الحريري لا يقف عائقًا في وجه تفعيل العمل الحكومي الّذي يفتح الباب أمام مجلس الوزراء ليستردّ عافيته المسلوبة منه، بسبب تصاعد الخلاف بين المكوّنات الرئيسية المشاركة في الحكومة أو بعضها على الأقل". وبيّن أنّ "رئيس الجمهورية ميشال عون يبدي حرصه الشديد على معاودة انعقاد مجلس الوزراء".
وأوضح المصدر النيابي أنّ "حرص الرئيس عون والحريري على استئناف جلسات مجلس الوزراء لا يكفي ما لم تتوافر الضمانات لانعقادها، على أن تكون مقرونة بالتفاهم على جدول أعمال الجلسة الّذي يعود لرئيس الحكومة إعداده"، منوّهًا إلى أنّ "لا مشكلة في تحديد مكان انعقادها شرط أن يأتي بالتفاهم مقرونًا بترحيل حادثة الجبل عن جدول أعمالها من جهة، وبتعهّد جهتي النزاع حول هذه الحادثة بعدم طرحها من خارج جدول الأعمال هذا". وأكّد أنّ "الحكومة تعاني حاليًّا من عطب سياسي تسبّبت فيه حادثة الجبل"، معلنًا "أنّه يؤيّد اقتراح بري بأن تكون الأولوية لتحقيق المصالحة، ومن دون تحقيقها فإنّ دعوة الحكومة للانعقاد ستؤدّي حتمًا إلى المغامرة بالوضع السياسي، خصوصًا أنّ غياب الحكومة عن السمع لم يعد مقبولًا".
ورأى أنّ "لا مجال إلّا بتحقيق المصالحة ونقطة على السطر"، وأيّد اقتراح بري أساسًا لتحقيقها، ويقوم على أن "تكون جامعة، وبرعاية رئيس الجمهورية، شرط أن تؤدّي الغرض المطلوب منها لجهة استعداد رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان لإسقاط الحقوق المدنية من قبل ذوي المصابين في حادثتي الشويفات والجبل".
وفسّر أنّ "بكلام آخر، إنّ إسقاط الحقوق المدنية يعني إسقاط حقّ الادعاء الشخصي والإبقاء على الحق العام، ومن ثمّ يُصار إلى إحالة الحادثتين إلى القضاء المدني (محكمة الجنايات) بديلًا للجوء إلى المجلس العدلي أو حصر حادثة قبر شمون بيد القضاء العسكري، في ضوء ما يتردّد على لسان مسؤولي "التقدّمي" بأنّ جهات نافذة في الدولة تتدخّل لاستهداف بعض قيادات الحزب في سياق الحملة المنظمة لاستهداف رئيسه جنبلاط وتطويقه". وذكر أنّ "بري ليس بعيدًا عن هذا الاقتراح الّذي يراد منه إعادة إصلاح ذات البين داخل مجلس الوزراء على أن يترك لمحكمة الجنايات إصدار أحكامها الّتي تُعرف بـ"الحق العام" بعد إسقاط الحق الشخصي".
كما أشار المصدر إلى أنّ "أرسلان ليس في وارد الخوض في مثل هذا الاقتراح"، مفيدًا بأنّ "الحريري سبق أن عرض على الرئيس عون ما كان اقترحه جنبلاط لجهة إحالة حادثتي الشويفات والجبل إلى المجلس العدلي، لكن تردّد أنّ رئيس الجمهورية لم يبدِ حماسة حيال هذا الاقتراح بذريعة أنّ هناك من أعدّ خطة لاغتيال رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل، وأنّ لدى بعض الأجهزة ما يُثبت وجود نيّة لمحاولة اغتياله، إضافة إلى أن أرسلان أصرّ على حصر الإحالة إلى المجلس العدلي بحادثة الجبل".
وحول موقف "حزب الله" حيال تحرّك الرئيس بري لتحقيق مصالحة شاملة وجامعة، لفت إلى أنّ "الحزب يفوّضه على بياض، وإن تفويضه رئيس المجلس يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن تفويضه له إبان عدوان إسرائيل على لبنان في حرب تموز 2006". وكشف عن أنّ "قيادة "حزب الله" أبلغت من يعنيهم الأمر، وأوّلهم بري، بأنّها ليست طرفًا في استهداف جنبلاط ومحاصرته، رغم انزعاجها الشديد منه لعدم اعترافه بلبنانية مزارع شبعا".
ووجد أنّ "أرسلان يتصلّب في موقفه مستفيدًا من حملات التحريض الّتي يرعاها النظام في سوريا ضدّ جنبلاط، وبموقفه هذا يتناغم مع "التيار الوطني" والفريق الوزاري المحسوب على رئيس الجمهورية والّذي يتطلّع إلى إلغاء الأقوياء في التركيبة اللبنانية، والثأر من جنبلاط لمواقفه السابقة الّتي تعود إلى أكثر من عقدين من الزمن".
وإلى ذلك، نصح المصدر بـ"ضرورة السير بلا شروط في اقتراح بري"، مركّزًا على أنّ "عدم إنجاحه سيدفع باتجاه مزيد من التأزّم السياسي". وشدّد على أنّ "هناك من أخطأ في رهانه على إضعاف جنبلاط أو محاصرته، وإنّ الأخير أحيط بدعم واهتمام من قبل حلفاء الأمس في "قوى 14 آذار"، أي الحريري وحزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية"، إضافة إلى موقف بري الّذي يشكّل اقتراحه خشبة الخلاص لتجاوز الأزمة القائمة في ظلّ المبارزة حول دعوة مجلس الوزراء للانعقاد التي تعوزها المصالحة؛ وإلّا فإنّ التمديد للأزمة قد يطول، إن لم يُقحَم البلد في المجهول".