للوهلة الاولى تتجه قراءة المستجدّ العالي الأهمية لجهة إعادة إحياء التواصل الإماراتي – الإيراني نحو موقف إماراتي مغاير أو «مستقل» عن الحليف التاريخي المملكة العربية السعودية وعن تحول سياسي كبير بالمشهد الخليجي العام على ما بدا انه انقلاب مشابه لذلك الذي أخذته قطر باصطفافها مع إيران عنوة متحدية دول الخليج، لكن المشهد هنا مختلف بالكامل فلا حجم الإمارات ولا السعودية ولا موقعهما حيال العلاقة مع واشنطن يسمح بأي نوع من أنواع المناورة مع إيران.
في الواقع إن فصل أي خطوة إماراتية عن الموقف السعودي هو منطق استراتيجي خاطئ، لكن الاهم هنا هو ان هذا الترابط لا يعني ان ابو ظبي تتبع سياسياً لأمر عمليات سعودي أو انها تنفذ «اجندة» سعودية لان الواقع السيادي والمنطق الاستراتيجي في هذا الملف مختلفان، بل كشف الخليج للمرة الاولى بمنطق مغاير عن ذلك الذي وضع المملكة العربية السعودية في مقدمة الأحداث ومركز التخطيط في الخليج لعقود من الزمن، لأن هذا مع تبدل واقع ولاية العهد بالرياض ومخاطر اندلاع ثورة ضد النظام وبوجود حليف مثل محمد بن زايد تغيّر بالكامل..
مَن يعرف العلاقة بين ولي عهد الإمارات محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعرف جيداً ـنها علاقة شخصية ومتينة جداً، لكنها لا تصب بخانة التابع الإماراتي بل على العكس تتحدث المعلومات عن طلب بن زايد من الأميركيين دعم وصول محمد بن سلمان الى السلطة وتسلّمه ولاية العهد وهو اذاً يشرح شيئاً فهو السطوة والنفوذ التي يتمتع بها بن زايد غربياً وكان لهذا أثر أساسي في حياة بن سلمان الذي يعتبر ان بن زايد عرابه وراعيه في مسيرته وقد ساهمت نصائح بن زايد بإنقاذ الأمير الشاب في غير مرة وبتثبيت اسس حكمه وقد أخذه نحو تطبيق أفكار انفتاحية تثبت الشباب السعودي على ولائه لهذا الحكم، ومن بينها إجازة القيادة للمرأة السعودية وغيرها من الانفتاح الفني والاجتماعي والاقتصادي الحالي، بحيث تشهد الرياض ثورة في هذه الصعد. فطموح الإمارات الاقتصادي كبير وواسع ومخططها للسنوات المقبلة أضخم من أن يتم التفريط فيها بتحديات قد تدمر المنطقة.
وبالعودة لبن زايد فإن لهذه العلاقة أساس التحول بالدور السعودي بالمنطقة وبديهي أن يكون بن زايد هو «مايسترو» العلاقات الأميركية – الخليجية في هذه المرحلة. وبالتالي فإن التحول بالموقف الإماراتي مدروس واستراتيجي لا يقف عند الرغبة السعودية بل عند الرؤيا الغربية الموسعة للعلاقة مع إيران وهي نفسها الرؤيا تجاه سورية وقد سبقتها بالحوار مع قيادات أمنية سورية ولا تزال القنوات السورية الإماراتية بأعلى مستوياتها حسب مصادر دبلوماسية لـ»البناء»، لا بل انها لم تنقطع في اشد ايام الازمة. وهذا إن دل على شيء فهو فصل المسار الإماراتي عن المسار السعودي ضمن منطق المتقدم والأهم منطق يكشف العلاقة الاستثنائية بين واشنطن وابو ظبي.
اليوم يبدو الموقف الإماراتي المتقدم حيال إيران موقفاً جريئاً. والمعلومات تؤكد ان اللقاء الاول الذي ظهر الى الإعلام والذي وقعت على اساسه اتفاقية بين قائد شرطة الحدود الإيرانية، العميد قاسم رضائي، وقائد خفر السواحل الإماراتي العميد محمد علي مصلح الأحبابي في طهران حول توسيع التعاون الأمني في الحدود المشتركة منذ أيام انه لم يكن التواصل الاول بين البلدين. فهذا الموقف سبقته اتصالات واجتماعات تنسيقية مكثفة أدت الى الكشف عن هذه الخطوة التي حرصت الإمارات أن تكون من قلب طهران في رسالة منها الى توجهها نحو حوار مباشر مع الإيرانيين دون طلب وساطات او مبادرات من دول محايدة فبدأت رسائل التقارب تتوالى.
وبشكل ربما صار متوقعاً كشف مستشار الرئيس الإيراني بالأمس «أكبر تركان»، أن بلاده أحرزت تقدماً وتبادلت رسائل إيجابية بشأن علاقاتها مع السعودية والإمارات، وذلك تزامناً مع التوترات الأخيرة بين هذه البلدان على خلفية هجمات طالت سفناً في منطقة الخليج، مضيفاً «هناك رسائل إيجابية وصلتنا من السعودية وكبار المسؤولين الإيرانيين ردوا عليها بشكل إيجابي»، موضحاً أن «أولى الرسائل الإيجابية تجلت بالتعامل مع حجاجنا، وهناك خطوات سعودية إيجابية أخرى». واختتم كلامه بالقول «أحرزنا مؤخراً تقدماً جيداً في علاقتنا مع الإمارات»..
الخطوة الإماراتية التي سبقت الخطوة السعودية تؤكد أن المبادرات التي تقوم بها ابو ظبي ليست مبادرات انفعالية إنما نتيجة مواقف منسقة مع الأميركيين تجعلها تتقدم على باقي الدول الخليجية في ارسال الرسائل الكبرى. وهنا لا بد من الحديث عن حرب عبثية في اليمن أخذت نحو هذا الخيار والتصعيد الإيراني بالخليج ورد طهران على استهداف السفن التابعة لها، ربما كان غير متوقع أميركياً إلا انه صار بساعات قليلة أمراً واقعاً كرّس الموقف الإيراني حيال أي حرب مقبلة ربما تكون مدمّرة ودولة مثل الإمارات العربية المتحدة غير مستعدّة بالتأكيد لحرب من هذا النوع وهي التي تطرح نفسها في موقع ريادي اقتصادياً ومعيشياً وتكنولوجياً كما أن واشنطن لا تقوى على وضع حلفائها بموقف محرج من هذا النوع خدمة لصراع اسرائيلي إيراني، فكان لا بد من أخذ الرسائل الإيرانية التصعيدية بعين الاعتبار.
اليوم عادت الاجتماعات المشتركة لخفر السواحل بين طهران وابو ظبي والتي بدأت عام 2009 واستمرت بشكل سنوي ثم توقفت عام 2013 بالكامل بسبب التوترات بالمنطقة، وعادت معها إمكانية نسج خيوط كبرى على خط العلاقة الإيرانية السعودية تفتح باقي الملفات بالمنطقة على مصراعيها انطلاقاً من أمن الخليج وهي ملفات خضت المنطقة لسنوات من الحرب في اليمن وصولاً للأزمة السورية والخلاف القطري الخليجي..