لم تقتصر تداعيات حادثة قبرشمون على تعطيل مجلس الوزراء ورفع منسوب الاحتقان في الساحة الدرزية، بل إنّ شظاياها أصابت ايضاً العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري اللذين تبادلا «الطلقات التحذيرية» بواسطة «سلاح المصادر».
لم يعد عون يطيق الاستمرار في التفرّج على تآكل حكومة العهد الاولى التي تبدو عالقة منذ أكثر من شهر في وعاء من «الأسيد السياسي». وإذا كانت فرضية تدبير كمين لاغتيال الوزير صالح الغريب او الوزير جبران باسيل لا تزال موضعَ أخذٍ وردّ، فإنّ عون يشعر بأنّ الحكومة تتعرض لمحاولة اغتيال أكيدة، من داخل صفوفها، وذلك ضمن سياق وقائع متصلة تصب جميعُها في خانة استنزاف العهد وإضعافه.
ولأنّ رئيس الجمهورية يحاول منذ وصوله الى قصر بعبدا الإمساك بزمام المبادرة عند كل أزمة تواجهه، ساعياً الى تكريس صورة «الرئيس القوي» بكل الوسائل الممكنة، فهو لجأ- كما في كل محطة- الى «التنقيب» في الدستور عن مواد تسمح له بتعزيز أوراقه واستعمال صلاحياته، وهذه المرة في اتجاه الضغط المعنوي على الحريري لدفعه الى التعجيل في عقد جلسة لمجلس الوزراء.
يهوى عون بطبيعته إلقاء الحجارة في المياه الراكدة، التي قد تصبح آسنة، ما لم يتم تحريكها في الوقت المناسب. بالنسبة اليه، لم يكن هناك أفضل من «حجر» المادة 53 من الدستور لكسر الركود في مستنقع التعطيل الحكومي، كونها تعطي رئيس الجمهورية، في الفقرة 12، الحق في دعوة مجلس الوزراء إستثنائياً الى الانعقاد، كلما رأى ذلك ضرورياً، بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
صحيح انّ «تسييل» الحق الرئاسي هنا مشروط بالاتفاق مع رئيس الحكومة، لكن استخدام «وهجه»،على الأقل، بدا كافياً من منظار عون للانتقال من موقع رد الفعل الى موقع الفعل، وبالتالي لحضّ الحريري على جمع شمل مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن، وهذه كانت وظيفة الاتصال الذي أجراه بشريكه في الحكم.
لم يكتفِ عون بالاتصال، بل تعمّدت مصادرُه تعميمَه على الإعلام بعد وضعه ضمن اطار تطبيق المادة 53 من الدستور، في إشارة الى انّ «فترة السماح» المعطاة للحريري انتهت او تكاد، ما أزعج «الشيخ سعد» الذي تكفّلت مصادره بالرد على «رسائل» بعبدا، استناداً الى «إحداثيات» مستمدة من صلاحيات رئيس الحكومة.
والحريري الذي كان يحتفل في الخارج بعيد زواجه يخشى وقوع «طلاق حكومي» إذا دعا الى اجتماع مجلس الوزراء قبل تحصينه بتفاهم مسبق حول طريقة معالجة ملف حادثة قبرشمون، وفق ما يؤكد القريبون منه. وعليه، لا فائدة بالنسبة اليه من المجازفة بعقد جلسة ملتهبة قد يليها سقوط الحكومة او تعطيلها لأمد طويل.
وتبعاً لرواية بيت الوسط، لم يكن مضمون الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الجمهورية بالحريري على نحو ما سرّبته مصادر بعبدا، بل إنّ أحد مستشاري الحريري يعتبر انّ هناك مقداراً كبيراً من الفوقية والتعالي في الاستحضار المفتعل للفقرة 12 من المادة 53، «الامر الذي استدعى رداً من مصادر رئيس الحكومة»، محمِّلاً بعض المحيطين بعون، وتحديداً أحد الوزراء، مسؤولية «توريطه» بمواقف سياسية واجتهادات دستورية غير دقيقة، «كما حصل من قبل مع المادة 95».
وتفيد المعلومات انّ الحريري وفريقه استهجنا تعمّد نشر خبر الاتصال مرفقاً بـ»زوائد» في الإعلام، «مع انّ التواصل مستمر بين الرئيسين، وليس هناك أصلاً إنقطاع، حتى تكون المحادثة الهاتفية بينهما حدثاً للتعميم»، على ما يؤكد احد أعضاء هذا الفريق، متسائلاً عن الحكمة في هذا التصرف والجدوى منه.
وتلفت اوساط الحريري الى أنه حتى المادة 53 التي يستشهد بها المحيطون بعون انما تلحظ انّ رئيس الجمهورية يدعو إستثنائياً مجلس الوزراء الى الانعقاد بالاتفاق مع رئيس الحكومة، موضحة انّ هذا الاتفاق غير حاصل حتى الآن، وبالتالي فإنّ الكلمة النهائية على هذا الصعيد تعود الى الحريري الذي لا يمكن عقد أيّ جلسة من دونه، حتى لو ترأسها رئيس الجمهورية.
وتحذّر الأوساط من خطورة التسرّع في عقد جلسة حكومية تنتهي الى أن «نفوت بالحيط» ثم يتعذّر بعدها اجتماع مجلس الوزراء مرة أخرى. وتضيف: ليس آخر الدنيا أن نتمهّل لأيام قليلة بعد من أجل ضمان انعقاد جلسة هادئة ومنتجة بدل أن نخوض مغامرة غير محسوبة، قد تكون عواقبها وخيمة.
وتستهجن الاوساط اللصيقة بالحريري كيف انّ البعض يسعى الى تحديد توقيت التئام الحكومة وفرض حادثة قبرشمون على جدول أعمالها، وكذلك التصويت على إحالتها الى المجلس العدلي تحت طائلة الويل والثبور وعظائم الامور، في حين انّ الدعوة الى اجتماع مجلس الوزراء ووضع جدول أعماله هما من اختصاص الحريري الذي لن يفرّط بصلاحياته ولن يستطيع أحد أن يفرض امراً واقعاً عليه، مهما اشتدت الضغوط وكثرت الاجتهادات.
وتشير الاوساط الى انّ إحالة حادثة تفجير مسجد التقوى والسلام في طرابلس الى المجلس العدلي تطلّبت عاماً ونيفاً، معربة عن اعتقادها انّ الإلحاح على إحالة ملف قبرشمون يندرج في اطار محاولة الاستفراد بجنبلاط.
وتشدّد الاوساط على انّ دعوة الحريري مجلس الوزراء الى الانعقاد تبقى واردة في ايّ لحظة، تبعاً للمسار الذي ستسلكه المعالجات. وتتابع: ما أن يُنجز سلّم الإنقاذ لإنزال العالقين على الشجرة، تلتئم الحكومة فوراً.