تُطلق "جائزة الأَكاديميَّة العربيَّة" اليَوم الثُّلاثاء، وبرعاية وزير الثَّقافة د. محمَّد داود داود، النُّسْخة الأُوْلى مِن وَثيقة "بالمحبَّة نَبْنيه…" في "القاعة الكُبْرى" في مبنى بلديَّة سنِّ الفيل، الخامسة بعد الظُّهر. وفي المُناسبَة ثَلاثَة أَسْئِلةٍ تُطرَح:
1 - إِلامَ تُفْضي هَذِه الوَثيقَة، كما وكلُّ الدَّعوات القائِمة أَو تِلْك الَّتي ستُطْلَق... في الحدِّ من الخِطاب المُتشنِّج في البِلاد؟
2 - هل ثمَّة نِقاطُ تَلاقٍ في ما بَيْن هَذه الدَّعوات والمُبادَرات؟
3 - هل هذه المُبادرات مُنزَّهة عن المَصالح السِّياسيَّةِ؟ وسامية مُعقَّمة، لم تُلوِّثْها المَفاسد ولا المآرِب الشَّخْصيَّة... وبالتَّالي هي في مَنْأىً عن "الأَجِنْدات الخارجيَّة"؟
حين أَطْلقنا وَثيقة "بِالمحبَّة نَبْنيه..." المُسْتوحاة من "وَثيقة الأُخوَّة الإِنْسانيَّة" الَّتي وقَّعها قَداسة البابا وشيخ الأَزْهر في أَبوظبي في 4 شباط 2019، وقد كانَت وثيقتُنا بَعْدُ فِكْرةً وقد قَّعها على الوَرق سِياسيُّون ونِقابيُّون وإِعلاميُّون وفَنَّانون ووجوهٌ بلديَّةٌ واخْتِياريّةٌ وثَقافيَّةٌ وشعبيَّةٌ مُفْعَمَةٌ قُلوبُها بِالمحبَّة... سأل البَعْض وسَأَلوا كثيرًا عن الوَثيقة، فسُرِرْنا لذلك، لأَننَّا اعْتَبرناه دليلَ اهْتِمامٍ… ومِن الأَسْئلة المَطْروحة: لِماذا "الاسْتيحاء" مِن وَثيقة أَبوظبي ولَيْس مِن الإِرْشاد الرّسوليِّ (رجاء جديد للبنان)؟ فَكان جوابُنا أَنَّ وَثيقَتَنا مُسْتَوْحاةٌ من "وَثيقة الأُخوَّة الإِنْسانيَّة" لكَوْن الأَخيرة قد أُبْرمت في وقتٍ تَشْهد المِنْطقة غَليانًا تَكْفيريًّا، وبالتَّالي رُبَّما عَلَيْنا كلُبْنانيِّين الإِفادة من "تَحْديث" النَّظْرة إِلى العَلاقاتِ المسيحيَّة - الإِسْلاميَّة، مع الإِقْرار بأَهميَّة "الإِرْشاد الرَّسوليّ للُبْنان"، الَّذي وقَّعه قَداسة البابا الرَّاحِل يوحنَّا بولُس الثَّاني.
غَيْرَ أَنَّ البَعْض اسْتَهزأَ: (شو قيمِتها هالوَثيقة؟)، فقُلْنا له إِنَّ الكلِمة الجامِعة بِثمنِ الكلِمة المُحرِّضَة… لكنَّ أَثَرها في النُّفوس هو تَمْجيدٌ للخالِق وعملٌ بِتعاليمه السَّماويَّة… فيما أَثَر الثَّانية انْقِسامٌ، فحَرْبٌ فتَكْفيرٌ… والبعضُ شكَّك: (طيِّب من بيضْمَن الأَفْعال بعد تَوْقيع هالوَثيقة؟)، فقُلْنا لَه: (حين يَنْتفي الضَّمير ويتوقَّف القَلْب عن الإِنْتاجيَّة، فهُناك البُكاء وصَريف الأَسنان)…
وأَمَّا البعضُ الآخَر… فتلقَّف هذه المُبادرة، وكانَت بُذورًا غُرِسَت بمحبَّةٍ في أَرْضٍ طيِّبة!. ومِن هذا المُنْطلق، نُؤمِن إِيْمانًا راسِخًا، بأَنَّ الدَّعوات والمُبادَرات الهادِفة إِلى نَشْر المحبَّة بَين النَّاس، ستُسْهِم بفَعاليَّةٍ في إِشاعةِ السَّلام، كما وفي الحدِّ مِن الخِطاب المُتَشنِّج!.
إِنَّ الدَّعْوةَ إِلى المحبَّة نَقيضٌ للخِطاب التَّحْريضيِّ المَوْتور والهدَّام، وما يتسبَّب به من كوارثَ إِنْسانيَّةٍ... والأَمْثلة كَثيرةٌ على ذلك، ونَذْكُر مِنْها على سَبيل المِثال لا الحَصْر: في مِصر أَعْلَنَت "هيومن رايتس ووتش" في حزيران 2013، أَنَّ قَتْل أَرْبعةٍ من المُواطِنين الشَّيعة على أَيْدي حُشودٍ يَقودُها في ما يَبْدو شُيوخٌ سَلَفيُّون في قَرْية "زاوية أَبو مُسْلم" في القاهرة الكُبْرى... جاءَ في أَعْقابِ شُهورٍ من الخِطاب التَّحْريضيِّ على الشِّيعة والَّذي تَوَرَّطت جَماعة الإِخْوان المُسْلمين الحاكِمة (آنَذاك)، وحزبِها السِّياسيّ في بعض الأَحْيان به"... (دون أَنْ نَذْكر ما يَتعرَّض له المَسيحيُّون مِن تَفْجيراتٍ تُطاوِل الكَنائس أَثْناء قُدَّاس الأَحد وفي المُناسبات الدِّينيَّة).
لِذا يَجِب الوقوف ضدَّ الخِطاب الطَّائفي في المِنْطقة، لكَوْنه يُعْتبر اعْتِداءً على تَمايُز البَشر وتعدُّدِهم، كَما ويدَّعي وجود جَوْهرٍ ثابتٍ لمَجْموعةٍ من البَشر... وهو يُعْطي الحقَّ بالحُكْم علَى الآخَرين في شَكْلٍ جَماعيٍّ. وكذلك يَكون خِطاب التَّحْريض ضدَّ مَصالِح الغَيْر السِّياسيَّة، فيما الأَزَماتُ في المِنْطقة أَكْبر بكثيرٍ مِن مُجرَّد التَّحْريض الطَّائِفيِّ ونَشْر الكَراهية الدِّينيَّة: إِنْهيارُ دولٍ، ثَوْراتٌ وثَوْراتٌ مُضادَّة، إحْتِلالٌ أَجْنبيٌّ، تَحوُّل المِنْطقة إِلى ساحة صِراعٍ دَوْليٍّ...
وعليه فإِنَّ المُبادرات والدَّعوات إِلى المحبَّة والسَّلام والتَّلاقي، إِنَّما تَتلاقى في ما بَيْنها، على الوقوف في وَجْه مُحاولات التَّفْرقة وبَثِ روح الكَراهيَة بَيْن النَّاس، كما وأَنَّها لا تَبْغي إِلاَّ نَشْر السَّلام، و"طوبى" لفاعليه وناشريه!...
هي دعواتٌ تَسْمو فوق كلِّ المَصالح لأَنَّها تَبْتغي المَصْلحة العامَّة والخَيْر العامّ، وهي "مُعقَّمة" من أَيِّ دنيَّةٍ أَو شائِبةٍ أَو مَصْلحةٍ شَخْصيَّةٍ، غير أَنَّنا مع الأَسَف، وحين كَثُر الشَّرُّ بِتْنا لا نُصدِّق أَنْ ثمَّة مَن يَمْلكون الجُرْأة للوقوف في وجْهِه... إِنَّ هذه المُبادرات والدَّعوات تَقِف بالتَّالي سدًّا مَنيعًا في وَجْه "أَجِنْداتٍ" تَسْعى إِلى التَّفْرقة والفِتْفتة بَيْن الشُّعوب تَمْهيدًا لإِهْلاكِها...
وبعد كلِّ ما وَرَد أعلاه... أَلا يَسْتأهل مِنَّا شعبٌ قدَّم كُلَّ ما عِنْده مِن أَجْل وطن الرِّسالة: الرُّوحَ والجسدَ والمَأْوَى والمَتْجرَ والعملَ وجَنيَ العُمْر، أَنْ نَبْحث له عن سبيلٍ لـ "صِناعةِ السَّلام الحَقيقيِّ"، الَّذي هو مِنْعة الشُّعوب وصَوْنُها؟
أَلا يَسْتأهل منَّا ذلك، آلاف الشُّهداء من كُلِّ الطَّوائِف الإنسانيَّة، والشُّهداء الأَحياءِ مِن كُلِّ المَشارِبِ، واليَتامى والمَحْزونون؟
وللحَديث صِلة...