انطلق الحزب التقدمي الاشتراكي من مضمون تحقيق فرع المعلومات في جريمة «البساتين» لنفي وجود كمين أو محاولة اغتيال، لكنه استند إلى معلومات مجهولة المصدر لاتهام الوزيرين الياس بو صعب وسليم جريصاتي، بالضغط على وزير العدل والقضاة لتحويل «الحادثة» إلى جريمة سياسية!
شنّ الحزب التقدمي الاشتراكي هجوماً مضاداً على التيار الوطني الحرّ في ملف البساتين - قبرشمون. مقدمة الوزير وائل بو فاعور في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، اختصرت مضمون موقف حزبه حين حمّل «الوزير باسيل المسؤولية المعنوية والسياسية والقانونية عن حادثة قبرشمون من ألفها إلى يائها». ثم استكمل هجومه على العهد بالحديث عن تدخل «وزير القصر» سليم جريصاتي ورئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد في مسار الملف القضائي. سرد وزير الصناعة مضمون اتصالات جرت مع مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم، للضغط عليه للادعاء بموجب المادة الثانية والثالثة من قانون الإرهاب، لكنّه رفض. اتهم بو فاعور كلاً من جريصاتي ووزير الدفاع الياس بوصعب بالضغط على القاضي غانم للادعاء على الموقوفين من الحزب التقدمي الاشتراكي بالمادة 2 و3 إرهاب، «للحصول على اتهام سياسي». كذلك تحدث عن اتصالات جرت مع قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان للضغط عليه للتنحّي وتسليم الملف للقاضي مارسيل باسيل. وحدّد بو فاعور أوقات هذه الاتصالات، مشيراً إلى أن أحدها كان لـ«وزير العدل المغيّب» (يقصد ألبرت سرحان) الذي «استُخدم للمشاركة في الضغوط أيضاً». برأي وزير الاشتراكي، في البلد وزيران للعدل «أحدهما معلن (سرحان) والثاني في الظل (سليم جريصاتي)».
ورأى بو فاعور أنّ «ادعاء وجود كمين (في البساتين) ادعاء سخيف، ولم يكن هناك محاولة اغتيال، فليعتمدوا، هل الكمين للوزير باسيل أم للوزير صالح الغريب؟»، مشيراً إلى أنّ «القاضي كلود غانم نفى نظرية الكمين ومحاولة الاغتيال، وذلك رغم كل الضغوط التي تعرض لها».
أما في ما يتعلق بالتسجيلات التي استند إليها القاضي غانم للادعاء بالتحريض على القتل، فقال بو فاعور: «التسجيلات كانت حماسية ليس لها أي خلفية أمنية، وقد تم التحقيق مع أصحاب التسجيلات وأخلي سبيلهم فأين النية الجرمية؟».
لم يكد ينتهي المؤتمر الصحافي للاشتراكي، حتى سارع كل من مجلس القضاء الأعلى والحزب الديمقراطي اللبناني إلى إصدار بياني نفي واستنكار. فقد اعتبر مجلس القضاء الأعلى أن كلام بو فاعور يفتقر إلى الصحة ويُعدّ تدخّلاً غير مشروع في العمل القضائي، نافياً صحة ما ورد على لسان الوزير. أما الديمقراطي اللبناني، الذي وعد بأنه سيردّ بمؤتمر صحفي مفصّل، فرأى أن الحزب الاشتراكي «يستخدم كل أدوات الضغط على القضاء والقضاة والأمن والأمنيين، ويصوّب على الآخر بذلك، محاولاً إظهار نفسه بصورة الضحية». واعتبر البيان الصادر عن مديرية الإعلام في الحزب أن مضمون المؤتمر الصحافي هو «لتحريف الحقائق وإفراغ التحقيق من مضمونه ومحاولة بائسة للضغط على القضاة وتشتيت الرأي العام». وختم البيان: «لدينا ما يكفي من تسجيلات صوتية للذهاب إلى المجلس العدلي».
أمام كل ما تقدم، يبقى الثابت أنّ محققي فرع المعلومات لم يستمعوا إلا لإفادات من طرفٍ واحد. بُني التحقيق على أدلة تقنية وكاميرات مراقبة وهاتف وإفادات شهود وموقوفين ينتمون إلى الحزب الاشتراكي لمعركة لم تدم أكثر من دقيقتين وبضع ثوانٍ. وبالتالي، لا يُمكن الجزم بنتيجة التحقيق قبل انتهائه. لا يُمكن الوزير بو فاعور الانطلاق من ثابتة وردت في التحقيق الأولي لإصدار حُكمٍ علني قبل أن ينتهي التحقيق ويقول القضاء كلمته، ولا سيما أن السجل الجنائي في لبنان يزخر بعشرات الحالات التي اعترف فيها متهم بجريمة ومثّلها قبل أن تتبين براءته. ورغم أن بو فاعور كان يقرأ استنتاجات المحققين في فرع المعلومات، لكن لا يجوز أصلاً ركون القاضي إلى هذه الاستنتاجات قبل انتهاء تحقيقه هو.