لا تزال سوريا تلعب دورا محوريا في سياسات المنطقة، ولا يزال مؤتمر "استانة" ساحة تمارس فيها القيادة الروسيّة نفوذا لاجل دفع الأمور باتجاه ما يناسب سياستها، علما ان المؤتمر الـ13 لم يحمل جديدا يُذكر، خصوصا اذا ما اعتبرنا أن الدعوة "لضرورة خفض التصعيد على الأرض في إدلب"، مطلبا عاديا يمكن لأي بيان ان يطلبه.
في العام 2015 دخلت روسيا بثقلها الى المنطقة، من سوريا، الى ليبيا، مرورا بالمغرب العربي، وصولا الى الخليج الفارسي او العربي مؤخرا، لأجل هدف واحد بحسب ما يؤكد مدير المؤسسة الروسية لدراسات الشرق الاوسط(1) مراد صديقزاد، هو "الحفاظ على استقرار المنطقة وبناء مجتمعات السلام لما لذلك من تأثير إيجابي على روسيا"، مشيرا خلال جلسة نقاش شاركت فيها "النشرة" الى أنّ روسيا لها علاقات صداقة مع كل الاطراف في المنطقة وهي تبحث عن تطوير هذه العلاقات بما يضمن مصالحها.
روسيا والقوة الناعمة
يؤكد صديقزاد ان روسيا دخلت سوريا منعا لتأثير ما كان يجري فيها على مناطق القوقاز، مشيرا الى أن استقرار ايران وتركيا يفيد روسيا أيضا. بعيدا عن استعمال السلاح في المنطقة تحاول روسيا استخدام "القوة الناعمة"، فاوجدت "منصّات" لكثير من ازمات المنطقة، و"استانة" أبرزها، كذلك الانفتاح على الخليج والتعاون مع دوله، وتشجيع الحوار في ليبيا، ولعب دور "الوسيط" بين حركة حماس واسرائيل، اذ ان من وجهة نظر موسكو، التي تعارض صفقة القرن، ان الحل للملف الفلسطيني يبدأ من حوار فلسطيني-فلسطيني دون ايّ تدخل خارجي.
ترى روسيا بحسب صديقزاد أن سياسة اميركا القائمة على دفع المال للوصول الى السلام وحل الأزمات هي سياسة فاشلة، لذلك كانت موسكو معارضة لمؤتمر البحرين الأخير، ولكنه بالمقابل ينظر الى اسرائيل ككيان موجود في المنطقة ولا بد من التعاطي معه على هذا الأساس. ويقول: "بالنسبة لاسرائيل فنحن نلتزم بما يقوله القانون الدولي اذ اننا نعارض مصادرة اراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات لانها تزيد من التوتر، ولكن هذا لا يؤثر على علاقتنا مع اسرائيل"، مشيرا الى اننا اذا تجاهلنا وجود اسرائيل فسيؤدي الامر الى تصعيد الصراع سواء بين اسرائيل ولبنان او اسرائيل وايران وسوريا.
إيران تعيق الحل في سوريا
وفي سياق الحديث عن سوريا يكشف صديقزاد جزءا مهما من العقل الروسي الذي يرى بأن "الوجود الإيراني في سوريا يعيق الوصول الى الحل السلمي لانه يشكل استفزازا لكثير من الجماعات السورية المسلحة والمعارضة، ولكنهم لا يريدون الطلب من ايران الخروج من سوريا لان ذلك يؤثر سلبا على علاقة الدولتين، وسيسبب ضررا للمصالح الروسية، لذلك فالسؤال الاساسي الذي يُطرح في اروقة الادارة الروسية هو هل نريد ان نخسر إيران كشريك استراتيجي"؟.
إن هذا الكلام الجديد لن يكون غريبا اذا ما ربطناه بحوادث كثيرة اظهرت التباين بين القيادتين الايرانية وروسيا في سوريا، وصلت الى حد "الاشتباك المسلح"، كما يحصل في ادلب بين القوات الروسية والايرانية والتركية، او بأفضل الاحوال يبقى في إطار الاستنفار المتبادل كما حصل في المنطقة الشرقية في سوريا، الجمعة في 5 تموز الماضي، عندما شهدت المنطقة استنفارا أمنيا غير مسبوق بين القوات الإيرانية والقوات الروسية.
كذلك ترى روسيا ان ما تقوم به من توازن بين ايران واسرائيل في سوريا يخفف من منسوب التوتر، اذ يكشف صديقزاد ان موسكو تسعى للوصول الى صيغة تتضمن تخفيض حجم الوجود الإيراني في سوريا مقابل تقليص الهجمات الاسرائيلية هناك.
ماذا عن إدلب؟
في ادلب تسعى روسيا للوصول الى حل ولكنها تصطدم بمعوقات كثيرة، ايرانية، اميركية، كردية، تركية وسورية، ويشير صديقزاد الى أن أحدا لا يملك القدرة على السيطرة على كل ما يجري في ادلب، فلكل طرف مصالحه، التي تتضارب أحيانا مع مصالح الطرف الآخر، ولذلك فالملف لم يقفل بعد"، مشيرا الى أن الروسي رفض طلب الاتراك في آستانة النقاش بملف النازحين السوريين في تركيا قبل إنهاء كل الاعمال العسكرية في ادلب.
وفي السياق عينه، ترفض الولايات المتّحدة أي تدخل تركي في إدلب خارج إرادة القيادة السورية الشرعية، ولا تجد مصلحة في ضرب أنقرة للاكراد في تلك المنطقة لأن ذلك سيدفع بهم للتوجه الى روسيا لطلب الحماية، مشددا على أن موسكو ستستمر بجهدها للوصول الى حل نهائي لأزمة ادلب.
رغم وجود معارضة روسية بسيطة لسياسة روسيا في سوريا، الا ان الخبراء يؤكدون أن موسكو عبّرت عن نفسها في هذه المنطقة كقوة عظمى عالمية، وهي لم تدخل المنطقة لتخرج منها، الامر الذي يؤكده صديقزاد بقوله "بنينا القواعد العسكرية والمطارات بالمدى المنظور ولا يمكن الحديث عن خروج روسيا".