عندما قامت الدّنيا ولَم تقعُد في وجه "مشروع ليلى"، سألني أحد المؤثّرين في المشهد العامّ عن رأيي في هذا الموضوع، فأجبته بأن الضجّة المُفتعَلة ليست في مكانّها الصّحيح، وبأن ردود الفعل على هذا الحدث لا يُمكن أن تُدرَج إلاّ في خانة الغوغائيّة الصبيانيّة التي تضع المؤمنين في خطّ التطرّف، ولا يجدر بنا، بالتالي، الإنقياد إليها. وكنت شديد الوضوح لناحية أنَّ ما ومَن يضُرّ بالمسيحيّة والإيمان المسيحي، ليس أعداء الخارج الواضحي النوايا العدائيّة تجاه الأديان ومقدّساتها وقيَمها، وإنّما أعداء الدّاخل، أبناؤها وبناتها الذين يلبسون لباس الحُملان وهُم في الحقيقة ذئابٌ مفترسة تُعطّل صليب المسيح(1قور2: 17) بسلوكٍ مُعاكسٍ للإيمان، وبشهادة حياةٍ مُزيّفة مُناقِضة للإنجيل، وهو أمرٌ كنت قد أشرت إليهفي مقالٍ سابق.
وأردفت قائلاً، إنّ ما يؤَثِّر بالمشهد الإيماني المسيحي سلبيّاً، ليس "مشروع ليلى" ولا غيرها من المشاريع العابرة التي لا تستحقّ حتّى، الإشارة إليها، بل هُم أبناء وبنات الكنيسة: هُم الأمّهات والآباء المسيحيّون الذين يتقاعسون في اداء واجباتهم الوالديّة، فيتركون أبناءهم لقمة مُستساغة لوحش الدّهرنة المُفترس، ويُقفلون أمامهم، باللامبالاة والتقاعس والتراخي، أبواب السّماء القادرة وحدها على أن تُزيّن حياتهم بقيَم ملكوت السّماوات: الإيمان والرّجاء والمحبّة. هُم "المسيحيّون" الذين يُهملون يوم الأحد، ويستبدلونه بثقافة التسليّة والإستجمام والترويح عن النّفس. هُم "المسيحيّون" الذين يحتقرون مقدّساتهم. هُم "المسيحيّون" الحاقدون. هُم "المسيحيّون" الخالون من آداب وقيَم الرّوح، وآداب وقيَم المُجتمع. هُم "المسيحيّون" الذين يسبّون ويُجدّفون ويلعنون اسم الله ألف وألف مرّةٍ في يومهم. هُم "المسيحيّون" الذين يكذبون ويمكرون ويحتالون ويخدعون ويُزوّرون ويسرقون. هُم "المسيحيّون" الذين يَفجُرُون ويَفسقون، والذين "مجدُهُم في عَورَتِهم"(في3: 19). هُم "المسيحيّون" الذين يملكون أوكار الدّعارة والفسق، ويبيعون اللذّة بالدقيقة والسّاعة. هُم "المسيحيّون" الذين يُديرون أماكن الميسر والخمر، ويُروّجون المخدّرات وغيرها من مسبّبات الموت الرّوحي والجسدي. هُم "المسيحيّون" الذين يسحقون إخوتهم بالرِّبا. هُم "المسيحيّون" الذين يستغلون إخوتهم بلقمة عيشهم، ويَثرون بالسرقة والنّهب والطّمع والإحتكار. هُم "المسيحيّون" الذين يُشهّرون بإخوتهم وبآبائهم الرّوحيين. هُم "المسيحيّون" الذين يُسيئون إلى الخير العامّ ويختلسون المال العامّ. هُم "المسيحيّون" الذين يخطفون مستقبل إخوتهم. هُم "المسيحيون" الذين يبيعون أراضيهم. هُم "المسيحيّون" الذين يُزوّرون العدل والحقّ. هُم "المسيحيّون" الذين يتخاصمون ويتعاركون ويتقاتلون ويتحزّبون بطريقة عمياء. هُم "المسيحيّون" الذين يرشقون بعضهم البعض بأبشع الكلمات ويصفون بعضهم البعض بأبشع الأوصاف. هُم المسيحيّون الذين يجعلون من أعيادهم مادّة للرّبح ومناسبةُ للغناء والرقص والتسلية. هُم "المسيحيّون" الذين يؤمنون بالعنف طريقةً ومسلكاً. هُم "المسيحيّون" الذين يُسَبّبون الشكّ والعثار. هُم "المسيحيّون" الذين يمتهنون الخلاعة الكلامية بشكلٍ مُهذّب! هُم... وهُم... وهُم... ولكننا لا نثور على هؤلاء الذين في الدّاخل، ولا نتظاهر ضدّ الشرّ الذي في الدّاخل والذي هو في أساس تداعي البنيان، بل نستقوي على الخارج لحجّة لا حجّة فيها، على الشّر الذي في الخارج، والذي هو أقلّ فتكاً من الشرور التي تأتينا من البيت الدّاخلي!.
الأبطال الأبطال، والشّجعان الشّجعان، هم الذين يُعلِنون الحرب على الدّاخل. هُم الذين يُنظّفون الدّاخل فيُضحي الخارج نظيفاً. نعم، لا يُريد الربّ مَن يُدافع عنه، بل مَن يحياه، ويُتمّم إرادته، فينتشر ملكوته ويعمَّ سلامه في الأرض بقوّة المحبّة. عندما حاول بطرس أن يمنع يسوع من الذّهاب إلى الموت بإظهار إرادته الثابته بالدّفاع عنه بالقوّة (متى16: 22)، قال له: "إِذْهَبْ وَرَائِي، يَا شَيْطَان! فَأَنْتَ لِي حَجَرُ عَثْرَة، لأَنَّكَ لا تُفَكِّرُ تَفْكِيْرَ اللهِ بَلْ تَفْكِيْرَ البَشَر"(متى16: 23). وعندما حاول مرّةً ثانية أن يفعل ذلِك في بستان الزّيتون، فقطع أُذن مَلخُس، شفى يسوع الخادم، وأجبر بطرس على أن يرُدَّ سيفه إلى غمده، لئلاّ يموت بالسيّف نفسه الذي ضرب به الخادم(متى26: 51-52). بل ذهب طائعاً إلى الموت من دون أن يفتح فاه(أش53: 7)، عالِماً بأن الشّر لا يُقاوم بالشّر، "أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُم: لا تُقَاوِمُوا الشِّرِّير..."(متى5: 39)؛ فالشرّ لا يُقاوم بأدواته لئلاّ ينتصر، بل بالطّاعة لله فينتصر الله.
مَن يُتابع رُدود الفعل على أفعال الغوغائيين المسيحيين، يُدرِك تماماً بأنَّ الغلبة لم تكن لهم بل "لمشروع ليلى" الذي كوفئ بتضامن الرأي العام، فتمكن من ان ينشُر موسيقاه وفكره في كلّ الأرجاء ومن على كلّ المنابر والشاشات ووسائل التواصل الإجتماعي، فسمع موسيقاه وأغانيه كلّ مَن لَم يسمعها من قبل، بعدما كانت محصورة في مكان وزمان مُعَيّنَين. قالها لكم يسوع ولَم تُصَدّقوا: "لا تُقاوموا الشرّير... بالشر، بل قاوموا الشرّ(والشرّير) بالخير(روم12: 21)، فينتصر الخير وينتشر. نعم، قالها لكم ولكنكم لَم تُصَدّقوا، لأنكم ظَننتم بأن حكمتكم أقوى من حكمة الله، فأسقطتكم حكمتكم.
وللأمانة أسأل هؤلاء "المؤمنين" الغيارى على الإيمان المسيحيّ، أيّهما أكثر تجديفاً على اسم الله وإساءة له وللإيمان، وأكثر ثأثيراً وفتكاً بعقول وأرواح الشباب، "مشروع ليلى" أم ليلة "Smile Lebanon" التي شهدت الكمّ الأكبر من العنف الكلامي والتحرّش المُباشر والتفلُّت الجنسي وثقافة ما تحت الزّنار، وطبعاً مع احترامنا لبعض الوجوه العفيفة المُشرقة؟ فلماذا تظاهرتم وعقدتم المؤتمرات ضدّ الليلة الأولى، ولَم تتظاهروا وتعقدوا المؤتمرات ضدّ الليلة الثانية، وبالتوسّع ضدّ كلّ مظاهر السّقوط في بيتنا الدّاخلي؟! أنا أعرف لِماذا ولكنني لا أريد أن أقول، بل سأترك للقارىء الإستنتاج والإجابة... والسّلام.