العلاقة التي جمعت الرّبّ يسوع المسيح بوالدة الإله كانت علاقة خلاصيّة بامتياز. تظهر هذه العلاقة بدايةً في لحظة البشارة حيث تجسّد الرّبّ في أحشائها، لتمر في كلّ المراحل التي عاشها يسوع، وما زالت مستمرّة إلى آبد الآبدين. والدة الإله عرفت الألم مع مولودها الإلهيّ كما الفرح والمجد، ولا فصل بين الألم والفرح والمجد إذ مسيرة يسوع كانت مليئة بهذه العناصر الثلاثة منذ اللحظة الأولى لولادته.
من هنا قال سمعان الشيخ لوالدة الإله: "هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَة"(لوقا٣٤:٢-٣٥).
والسيف هو طبعًا الصلب وكلّ ما دار حوله. تدعى هذه الأيقونة أيقونة عذراء الآلام، وهي ترجع إلى النصف الثاني من القرن السادس عشر ميلاديّ. طولها ٧٩.٥ سم، عرضها ٥١ سم وسماكتها ٦ سم.
الألوان النباتيّة فيها ممزوجة بصفار البيض وتُعرف هذه الطريقة بال Détrempe التي انتشرت بعد القرن السابع–الثامن ميلاديّ تقريبًا، وحلّت مكان استعمال العسل مع الألوان، والتي كانت تُسمّى بالـEncaustique. الشكل فيها قريب من شكل "العذراء الهادية" Hodegetria الذي نشاهد فيه عادةً العذراء مريم تحمل الرّبّ يسوع المسيح على إحدى يديها، بينما باليد الأخرى تُشير إلى المخلّص.
هنا الوضع يختلف بعض الشيء إذ نشاهد تماسكًا بين يديّ الرّبّ ووالدة الإله.
قد يظن البعض إنّها تشدّده ولكن في الحقيقة هو الذي يُشدّدها ويقول لها: "لا تضطربي يا أمي عندما تشاهديني على الصليب، فإنّني صحيح سأموت في الجسد في طبيعتي البشريّة، ولكنّي سأقوم من بين الأموات لأنّي إلهٌ أيضًا".
فبالرغم من هذا التدبير الخلاصي، يبقى مشاهدتها لابنها يسوع مُعلّقًا على الصليب ومَطعونًا سيفًا يجوز في قلبها (لوقا ٣٥:٢).
الربّ يسوع المسيح: نرى الربّ يسوع المسيح في هذه الأيقونة يلتفت إلى يساره ناظرًا إلى أعلى. أراد كاتب الأيقونة بذلك أن يجعله ينظر إلى رئيسي الملائكة ميخائيل وجبرائيل في أعلى الأيقونة، وهما يحملان أدوات الصلب. الملاك على يمين والدة الإله هو ميخائيل، ومعنى اسمه من مثل الله. ميخائيل يحمل الرمح الذي طُعن فيه الربّ على الصليب(يوحنا ٣٤:١٩)، ويحمل أيضًا القصبة التي وضع عليها الجنود الرومانيون اسفنجةً من الخل وقدّموها ليسوع عندما قال أنا عطشان "وكان إناء موضوعًا مملوءًا خلًّا، فملأوا اسفنجة من الخل، ووضعوها على زوفا وقدّموها إلى فمه"(يوحنا ١:٢٩). الملاك الآخر هو جبرائيل. هو يحمل الصليب الذي صُلب عليه الرّبّ. اسم جبرائيل يعني جبروت الله.
الحذاء المخلوع في قدم الربّ والذي يكاد أن يقع، له عدّة تفسيرات تطوّرت عند مُفسرّي الأيقونات:
١- يشير إلى تعريته عند الصلب، إذ خلعوا عنه ثيابه.
٢- هو يذهب طوعًا إلى الموت فيخلع كلّ شيء عنه ويعلو الصليب ليموت ويقوم ويقيمنا معه خالعين الإنسان العتيق لنلبس الإنسان الجديد.
٣- يذكر سفر تثنية الاشتراع في الفصل ٢٥ عن أنّه إذا توفي رجلٌ وليس له أولاد تتزوّج زوجته شقيقه، والابن الأوّل يُنسب إلى الزوج كي يستمر نسله ولا يُمحى اسمه من بيت إسرائيل.
وكان اليهود يعتبرون انقطاع نسل أحدهم بعدم مجيء المسيح المُنتظر من الشخص المتوفي، فيعتبرون العاقر والعاقرة ملعونان من الله. أمّا في حال رفض شقيق الزوج الميّت أن يقترن من زوجة شقيقه، كانت الزوجة الأرملة تخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه أمام شيوخ مدينته ويُدعى "مخلوع النعل". وعادة اقتران الأرملة من شقيق زوجها المتوفّي قديمة جدًا ومذكورة في سفر التكوين(٨:٣٨). الربّ يسوع المسيح أبطل هذه العادات وألغى هذه المفاهيم الدنيويّة لأن المسيح الحقيقي والمنظر قد أتى وهو "هو". فعوض أن يبقوا ينتظرونه عليهم أن يتبعوه، من هنا قال لليهود: "متى رفعتم ابن الانسان، فحينئذ تفهمون أنّي أنا هو"(يوحنا ٣٨:٨). كذلك أصبحت أسماؤنا بالربّ يسوع مكتوبة في سفر الحياة في أورشليم السماويّة.
والدة الإله تنظر إلينا وتقول: "مهما قال لكم فافعلوه"(يوحنا ٥:٢). صحيح أنّها قالت هذه الآية في عرس قانا الجليل، إلّا أنّ عرس كلّ مؤمن مسيحي هو قيامته مع سيّده من بين الأموات ليشرب النبيذ الجيّد في عرس الحمل الآبديّ. "طوبى للمَدعُوّينَ إلى وَليمَةِ عُرسِ الخروف" رؤ٩:١٩).
الثياب في الأيقونة داكنة. العذراء تتلّحف بالمجد الإلهيّ المُشار إليه باللون الخمريّ الغامق، وعلى ساعدها الأيمن خيط من ذهب. "منسوجة بذهب ملابسها"(مزمور ١٣:٤٥). النجمات الثلاث على والدة الإله نشاهدها، واحدة على رأسها وواحدة على الكتف الأيمن وواحدة على الكتف الأيسر. هذه النجمات تشير إلى أن والدة الإله هي بتول قبل وأثناء وبعد ولادتها للربّ يسوع المسيح.
الكتابة الموجودة على الأيقونة:
-MP ΘV هذه الحروف يونانيّة تعني والدة الإله.
- IC XCتعني الربّ يسوع المسيح.
- ἡ Παμμακάριστος الكليّة الطوبى.
-النص يقول، هو الذي اقتبل من العذراء مريم الطاهرة يُظهر الآن أدوات الآلام، والمسيح كونه تجسّد، يرتعد "بطبيعته البشريّة الكاملة" من الموت لمشاهدته إيّاهم.
-الكتابة في أسفل الإيقونة هي أدعية خادمي الله الراهبان يواكيم و ثيودول.
كاتبا الإيقونة هما كرواتيّان من تيار رهباني يتبع تقليد ثيوفان.
التسمية ἡ Παμμακάριστος تُشير إلى أن الإيقونة هي من الدير الكبير في القسطنطينيّة الذي يحمل هذا الاسم، والذي أصبح كنيسة بطريركيّة بين عامي ١٤٥٥م و١٥٨٧م، وفي عام ١٥٩١م تحوّلت الكنيسة إلى جامع في اسطنبول تحت اسم Fethiye Camii جامع الفتح. وحاليًّا هي متحف وأعيد تجديدها في العام ١٩٤٩م من قبل جمعية بيزنطيّة في أميركا.