شكّلت مصارحة بعبدا بين رئيسي الحزبين "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط و"الديمقراطي اللبناني" النائب طلال ارسلان دافعاً لإنجاز تسوية بين "حزب الله" و"الإشتراكي" طالب بها "وليد بك" منذ لحظة وقوع حادثة قبرشمون، لكن عرّاب الحل الدرزي-الدرزي رئيس المجلس النيابي نبيه بري أقنع جنبلاط بالإستمهال في تحقيق مطلبه، بعدما تبلّغ من الحزب عدم إستعداده لتلبية ما يريده جنبلاط عبر إدخالهم طرف في نزاع لا علاقة لهم به.
أما وقد أنجزت المصالحة المشروطة في بعبدا بدفع أميركي وأدوار لرؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري، يشتغل بري على تحقيق تسوية بين الحزب وجنبلاط، يعتبرها الإشتراكيون أساسية وجوهرية.
لم يخرج أي كلام من قيادات "حزب الله" ولا من الاعلام الناطق بإسمه بشأن التسوية المرتقبة، بينما كانت أوردت "النشرة" أول من أمس معلومات عن ان"الضمانات التي يطالب بها جنبلاط موجودة في مكتب بري". فما هي؟.
تتحدث المعلومات عن أن "وليد بك" يريد تعهداً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعدم "محاصرة المختارة سياسياً عبر إشراك خصومها أيّ ارسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب في القرار الدرزي، من ابواب التعيينات والتشكيلات الإدارية والأمنية وتوسيع نفوذهما". يردّد الإشتراكيون كلاماً عن ان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل يسعى "لتحجيم جنبلاط"، ويعتقدون ان "حزب الله" يبارك ضمناً خطوات رئيس التيار "الوطني الحر" في هذا المسار. لكن الحزب الصامت عن الكلام المُباح حتى الساعة، لا يقرّ بحقيقة الإتهام الإشتراكي، بل لديه مآخذ على جنبلاط ستكون ركيزة أي إتفاق معه، وهي قائمة على ثوابت أساسية:
اولا"، تراجع جنبلاط عن موقفه بشأن مزارع شبعا، وعدم العودة الى هذا العنوان في أيّ ظرف كان.
ثانياً، إعتراف رئيس "التقدمي" بحقيقة ما طرحه أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية بخصوص معمل الإسمنت في جرود عين دارة.
ثالثاً، حقّ القوى الدرزيّة بالتمثل في الإدارة وتعييناتها.
وإذا كان جنبلاط أرسل مراراً بواسطة عين التينة، او عبر موفديه الذين يشكّلون قناة إتصال مع مسؤولين في "حزب الله" كالوزير السابق غازي العريضي، مطالباً بضمانات تمّ ذكرها، فإن الحزب سيتمسك بالثوابت اعلاه. فالحزب يخوض معركة مستمرة مع إسرائيل تقوم بإحدى أوجهها على قاعدة ان الإسرائيليين يحتلّون مزارع شبعا التي هي أرض لبنانية، ولن يقبل أي كلام يمس موقفه او يشكك بلبنانيّة المزارع. تلك قضيّة إستراتيجيّة أساسيّة.
اما مسألة جرود عين دارة، فخصّص نصرالله جزءاً من إطلالته الإعلامية للحديث عنها، فلا يمكن تحدّي الأمين العام للحزب بهذا الشكل، والذهاب الى شنّ هجوم على جوهر كلامه ورمي المسؤوليّة على مسؤولين في الحزب بأنهم "يخدعون" نصرالله بالنسبة الى حزب منظّم ومنضبط بهذا الشكل ويتخذ قرارات إستراتيجية كبيرة لا يمكن أن يتوه أمينه العام عن الحقيقة، ولا يقبل بأن يُتّهم بأنه يتعرّض لخديعة قيادات حزبه. فتلك مسألة تمسّ بجوهر تنظيمه. لا بل ان التزام الحزب بهذا العنوان هو قرار نهائي، لا عودة عنه إحتراما لموقف نصرالله، وتوقيع وزيره السابق النائب حسين الحاج حسن، وانتصاراً للأحكام القضائيّة المبرمة التي صدرت في هذا الشأن، ورفضاً للتطاول الذي حصل من أيّ سياسي او التفاف قضائي عن قصد بغاية نسف مصداقية نصرالله.
من هنا يبدأ الحلّ بين حارة حريك والمختارة، مع رفض أيّ رفع للسقف الذي يُعتمد بإطلاق شائعات عن ارسال طائرات مسيّرة، لا صحّة لها على الإطلاق. واللافت ان رسالة بثّ الشائعات حاكت عواصم خارجية، بالحديث عن ان إطلاقها حصل من جرود عين دارة، للقول أن المعمل هو قاعدة حزبيّة، وهو أمر ينافي الحقيقة شكلا وجوهرا وتفصيلا. فلا علاقة للحزب بمعمل آل فتوش لا من قريب ولا من بعيد. بل إنّ إنحياز الحزب هو للعوامل المذكورة سابقا، وخصوصا في الدفاع عن الحقّ وتوقيع الحاج حسن المبنيّ على شروط علميّة وصحيّة وبيئيّة وقانونيّة وقضائيّة.
فإذا كان جنبلاط يطلب التسوية السياسية، فهي تنطلق من الثوابت اعلاه. فهل يقدم رئيس "التقدمي" على ترجمتها من دون مواربة؟ أم انه سيعتمد أيضا على عواصم خارجيّة أمدّته بدعم في اتصالات أميركيّة وبيان السفارة، ما كانت لتترجم صلحاً لولا تدخّل عراب المصالحات الداخلية في عين التينة؟ فرئيس المجلس النيابي لا يفكّ علاقته بالحزب والثقة المتبادلة بينهما مهما كان. السنوات الماضية برهنت عن ذلك في اصعب الظروف.