يجد الرئيس الاميركي دونالد ترامب نفسه في موقف حرج على الصعيد الاميركي الداخلي، ليس بسبب التحرك السياسي للديمقراطيين او لأناس يعارضونه في وجهة نظره، انما بسبب مشكلة نمت بشكل كبير خلال عهده، ويتّهمه الكثيرون بأنّه احد الاسباب المباشرة لحدوثها، وهي الجرائم المسلحة الجماعيّة.
شهد العام الحالي معدّلات مخيفة في حوادث اطلاق النار الجماعي في أكثر من ولاية ومنطقة أميركية، ووفق احصاءات رسميّة اميركيّة، فإنّ العام 2019 يعتبر من الاسوأ في هذا المجال، كونه شهد (قبل 4 اشهر من نهايته)، 257 حادثة اطلاق نار جماعي، و34678 حادثة اطلاق نار، و9165 قتيلاً و18217 جريحاً بينهم 412 طفلاً (من عمر سنة الى 11 سنة) سقطوا بين قتيل وجريح. انها ارقام مخيفة حتماً، خصوصاً عندما يتعلق الامر بدولة يتطلع اليها الجميع ويعتبرونها الدولة العظمى المسؤلة عن تسيير شؤون العالم. والمخيف في الموضوع، ان اميركا تتصدر وبهامش بعيد، نسبة عدد المواطنين في الدول الذين يملكون اسلحة نارية(*). وقد يتعجب الكثيرون في معرفة ان هذه النسبة تفوق بأشواط نسب دول العالم الثالث او الدول التي تعتبر "خطيرة"، كاليمن مثلاً او صربيا ومونتينيغرو... اما لبنان على سبيل المثال فيتمتع بالنسبة نفسها تقريباً في هذا السياق من ايسلندا (31،9 للبنان مقابل 31،7 لايسلندا).
هذه المعضلة بدأت تزعج ترامب، فهي تكاد تهدّد كل ما انجزه في المجال الاقتصادي والمالي، وبدأت الاصوات تتعالى بكثرة في الفترة الاخيرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حدّ سواء، للمطالبة بوضع حد لاستسهال الحصول على رخص حيازة الاسلحة في الولايات الاميركيّة، والتعمّق اكثر في خلفيّة الاشخاص الذين يطلبون هذه الرخص وتحديد ما إذا كانوا يشكّلون خطراً حقيقياً على المجتمع ام لا. ولا شك أنّ مشاهد القتلى والدماء تترك اثرها على المواطنين الاميركيين، كما أنّ الشعور بالخوف والقلق من تنامي هذه الظاهرة وحصولها بشكل متتالي، يدفع بالكثير من الناخبين الى اعادة النظر بقرارهم، حيث يفضل المرء ان يبقى حياً والكفاح من اجل العيش، على ان يكون اكثر ارتياحاً من الناحية المعيشية ويبقى في قلق وخوف مستمرين على حياته.
وهذه الفرصة لن يتركها الديمقراطيون تمرّ مرور الكرام، اذ سيتوقفون عندها وقد يحوّلونها الى أحد اسلحتهم الفتاكة في وجه استعداد ترامب لخوض غمار ولاية رئاسيّة جديدة. ولا شك انهم سيعمدون الى التركيز على خطابات ومواقف ترامب التي تحمل الكثير من التمييز العنصري والتطرّف، كي يبنوا عليها، ويلصقون به تهمة التسبب بشكل مباشر وغير مباشر في ازدياد نسبة الاعتداءات المسلحة الجماعيّة والفرديّة في الولايات المتّحدة. ولن تكفي عندها الكلمات المنمّقة التي يستعملها ترامب بعد كل حادثة لانقاذه، بل سيحتاج الى تدابير اكثر فاعليّة وجدّية لارساء الاطمئنان في قلوب مواطنيه، والعمل على ترسيخ أجواء الطمأنينة بعد حالات الهلع الشديد، مع انتشار حوادث اطلاق النار الجماعي في محطات طبيعيّة من الحياة اليوميّة الاميركيّة كالمتاجر الكبرى والمهرجانات المناطقيّة التي تقام بشكل دوري.
انه التحدّي الأكبر الذي سيواجه ترامب في المرحلة المقبلة، وعليه ان يضع خطة تحاكي هذا الواقع، ليسحب البساط من يد الديمقراطيين، واستعادة الفرصة الحقيقيّة لخوض غمار الولاية الرئاسيّة الجديدة بثقة اكبر وبسيطرة اكثر وضوحاً دون ترك مجال لأيّ مفاجآت غير سارّة بالنسبة اليه، والا سيكون السؤال الاهم: هل ستسقط ولاية ترامب الجديدة برصاص الاميركيين انفسهم؟ وهل سيكون رهان الرئيس الاميركي على التحسّن الاقتصادي لتصبح كفّة الميزان مرجّحة لصالحه في الانتخابات المقبلة؟.
(*) احصاء مأخوذ من "بي. بي. سي" الاخباري ويعود تاريخه الى العام 2018.