مر أكثر من 3 أشهر على اللقاء الأخير الذي عُقد بين وفدين من "حزب الله" و"التقدمي الاشتراكي" في عين التينة برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري. عندها وُصف اللقاء بـ"الفاشل"، باعتبار ان المواقف التي صدرت بعده كانت باردة وتوحي بأنه لم ينجح حتى بكسر الجليد بين الجانبين، الذي تراكم بعد استفحال الخلاف بينهما حول معمل اسمنت بيار فتوش في عين دارة، وبلغ أوجه مع خروج رئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ليعلن عدم لبنانيّة مزارع شبعا قبل أن يوضح ما قصده بذلك في وقت لاحق.
وفاقمت حادثة قبرشمون الأزمة بين كليمنصو وحارة حريك. فبالرغم من عدم إقحام "حزب الله" نفسه بشكل مباشر بالأزمة ووقوفه خلف حليفه رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال ارسلان، الا ان ذلك وحده كان كفيلا بدفع الاشتراكيين للحديث عن محاولة محور المقاومة ومعه "التيار الوطني الحر" تطويق الزعامة الجنبلاطيّة. وحاول رئيس "التقدمي الاشتراكي" خلال الأيام الـ40 التي كان فيها البلد معطّلا يترقّب حلاًّ لأزمة قبرشمون أن يصوّر حلّ المشكلة بينه وبين "حزب الله" بحصول لقاء بينهما، وذلك لسببين رئيسيين، الاول رفضه الاقرار بالزعامة الارسلانيّة وتثبيت نوع من الثنائيّة على الساحة الدرزية، والثاني جرّ الحزب الى حلبة التفاوض لحلّ كل المشاكل المتراكمة معه دفعة واحدة، رافضا الخوض في مفاوضات مع من اعتبرهم وكلاء طالبا لقاء "الأصيل".
وبعد لقاء بعبدا الذي حمل عنوان "المصارحة والمصالحة"، وان كان ايا منهما لم يتحقق بشكل جدي، بدأ الحديث عن مساعٍ جديدة يبذلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد لقاء ثانٍ بين وفدين من "حزب الله" و"التقدمي الاشتراكي" يمهّد للقاء جنبلاط بأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله. وقد ردّد الاشتراكيّون كثيرا في الايّام الماضية كلامًا عن قرب عقد اللقاء الاول، الا ان مصادر مقرّبة من الحزب أشارت الى انّ هذه المصالحة لا تزال تُطبخ على البارد، داحضة بذلك ما تردد عن لقاء قريب جدا خلال ساعات او ايام. واوضحت المصادر انّ الامور متروكة لوقتها، ما يوحي انّ الحزب غير مستعجل لرأب الصدع مع جنبلاط وان كان لا شكّ لن يتردد بتلبية ايّ دعوة يوجّهها بري او ملاقاة ايّ مبادرة يقوم بها عند منتصف الطريق.
ولعلّ أكثر ما يجعل الحزب مستاء وغير مستعجل، بحسب مصادر معنيّة، هو عدم تمكّنه حتى الساعة من تخطّي اقحام جنبلاط قضيّة مزارع شبعا في خلاف داخلي حول مجرّد معمل اسمنت، وبالتالي ربط قضيّة استراتيجيّة على هذا المستوى بمصالح شخصيّة محض. وقد بدا واضحا انّ خوض نصرالله شخصيًّا في منتصف تموز الماضي بالحديث عن تفاصيل ما حصل في هذا الملفّ، خير دليل على حجم امتعاض الحزب وأن الامور لا يمكن ان تعود الى مجاريها بشكل تلقائي.
وبالرغم من شعور "التقدمي الاشتراكي" بنوع من نشوة الانتصار بعد انتهاء كباش قبرشمون، ما قد يجعل البعض يعتقد انه هو الآخر لن يكون مستعجلا لاتمام المصالحة مع "حزب الله"، الا انّ ذلك لا يلقى صدى على أرض الواقع، بحيث يبدو أن الاشتراكيين ينصرفون لاعادة صياغة علاقاتهم بالقوى والاحزاب كافة، مستفيدين من الموقع الذي وجدوا أنفسهم فيه بعد دخول واشنطن على الخط وتوحّد مكونات فريق 14 آذار مجددا لمآزرتهم. وليس الانفتاح مجددا على رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الا انطلاقة في هذا الاتجاه.