الشعب اللبناني أدخل إلى دائرة همومه أسماء "ستاندارد أند بورز" و"فيتش" و"موديز"، وكأن هذه الوكالات الدولية أصبحت سيفًا مصلتًا فوق رؤوس اللبنانيين، وعلى جيوبهم، فما تكاد وكالة من هذه الوكالات تُصدِر تصنيفها حتى تتهيَّأ الوكالة الأخرى لتصنيف مشابه لا يقل سلبية عن التصنيف الأول.
وكأن هذا البلد أصبح "تلميذًا في الصف توضَع له علامات" والمشكلة ان العلامات تنبئ دائمًا بالسقوط، لكن المفارقة ان نحو 400 شخصية، من... الى، يُجرون الإمتحانات عن أربعة ملايين لبناني، فيَسقطون في الإمتحان ويُسقِطون الشعب اللبناني معهم.
***
هذا ظلم! الشعب اللبناني ليس فاشلًا، لتكون دولته دولة فاشلة. المسؤولون هُم الفاشلون، فلماذا على اللبنانيين أن يتحمَّلوا فشل الـ 400 شخصية؟
ليس الشعب اللبناني برمَّته هو مَن أوصل الموازنة العامة، كل موازنة عامة، لأن تصبح "ثلاثة أثلاث":
ثلثٌ لرواتب القطاع العام
ثلث لفوائد الدين العام
ثلث لفيول الكهرباء "العامة"
الحل بسيط، خفِّفوا من "العام" فتنخفض أرقام الموازنة وأرقام المديونية فيرتفع تصنيف لبنان.
***
كيف ذلك؟
المسألة بسيطة لكنها تحتاج إلى قرار:
لنبدأ بالقطاع العام:
إن حجم القطاع العام في أي دولة في العالم لا يتجاوز الـ 16 في المئة من حجم اليد العاملة وحجم الأعباء على خزينة الدولة.
في لبنان، إن حجم القطاع العام يقارب الـ 35 في المئة من اليد العاملة ويستهلك 35 في المئة من أي موازنة، أي ان حجمه هو ضعف الحجم المتعارف عليه عالميًا.
إذا لم تتجرأوا على خفض حجم القطاع العام، فإن كل محاولاتكم لخفض العجز في الموازنة ستبوء بالفشل، فليس بالالف ليرة على النارجيلة يمكن خفض الدين العام.
بالمناسبة، ما هو مصير الستة آلاف موظف الذين تمَّ إدخالهم الى القطاع العام بطريقة مخالِفة للقانون؟ إذا كانت الحكومة جدية في معالجة هذا الامر، فما عليها سوى توقيف عقودهم، وما لم تفعل ذلك تكون متواطئة مع الذين ادخلوهم، بالتكافل والتضامن.
***
ماذا عن ثلث الموازنة على قطاع الكهرباء والفيول؟ إلى متى ستبقى الدولة تخسر في هذا القطاع وتسبب العجز؟
الكهرباء هي فضيحة العصر في لبنان، وعناصر الفضيحة هي التالية:
الدولة تنتج الكهرباء وتبيعها بأقل من كلفتها، لذا هي تخسر في كل "كيلوواط" تنتجه؟
الدولة تترك إستيراد الفيول للشركات الخاصة التي تتحكم بالأسواق، ومن غير المفهوم، ومن غير المبرر لماذا لا يتم إستيراد الفيول من دولة إلى دولة.
الدولة تُنشئ معامل توليد على الغاز، الأوفر سعرًا، لكنها تشغلها على الفيول، الأعلى سعرًا.
هذه العوامل مجتمعةً تجعل قضية الكهرباء تقتطع ثلث الموازنة فيما الدولة تتفرج .
***
يبقى الثلث الأخير وهو ثلث فؤائد الدين العام:
فوائد الدين هي الثلث الأصعب والاسهل في آن، فحين ترى الجهات المُقرِضة، سواء أكانت داخلية أم خارجية، ان الدولة جادة في إصلاح القطاع العام وفي إصلاح قطاع الكهرباء، فإنها بالتأكيد ستأخذ في الإعتبار طلبات خفض الفوائد، ما ينعكس إيجابًا على الوضع المالي للدولة.
***
هذه هي خارطةُ الطريقِ للسيرِ في الخروجِ من المأزق المالي والإقتصادي، ولكن هل مَن يتخذُ القرار؟