لم تسقط الطائرة الإسرائيلية في منطقة معوّض في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، بل سقطت معها قواعد الإشتباك بين حزب الله وإسرائيل واتفاق الـ1701. رغم الانتهاكات الدائمة الإسرائيليّة لهذا الاتفاق، أصاب ما حصل فجر الأحد هذا الإتفاق في مقتله. فحزب الله، ووفق أمينه العام السيد حسن نصرالله، لم يعد مُلزماً بوقف العمليّات القتاليّة حسب نصّ الاتفاق، كما باتت كل الخروقات الإسرائيليّة المتكرّرة هدفاً للحزب في أيّ وقت.
لم يرفع نصرالله السقف في كلمته الأخيرة إلى درجة حرب كبيرة، بل كان واضحاً بأن الردّ سيكون متناسباً مع حجم الضربة الإسرائيليّة. إلا أنّ إعلانه بأن الضربة لن تأتي من مزارع شبعا، هو إعلانٌ لسقوط اتفاق 1701، الذي يستثني المزارع. وبالتالي فإن حصل الرد من الحدود اللبنانيّة في مواقع أخرى غير المزارع، فيكون اتفاق 1701 قد انتهى بالنسبة للحزب، بعد أن أنهاه الإسرائيلي في مرّات عديدة.
أهداف عدّة كان يتمنّاها الإسرائيلي من عملية معوّض، لا يعرفها أحد حتى الآن، إلا أنها سقطت وتحوّلت إلى ورقة لعب جديدة بيد الحزب. فالضربة الإسرائيليّة لم تكن في سوريا، ولا على الحدود، ولا على مراكز عسكريّة، بل استهدفت منطقة سكنيّة في قلب بيروت، وبالتالي لو حصل ما حصل في يوم آخر لكان سقوط الشهداء أمر حتمي. وبالتالي هو لعب بالدم اللبناني حسب وصف نصرالله. فماذا بعد حادثة معوّض؟.
منذ أسبوعين تقريباً، ضجّ لبنان بخبر تحليق طائرة صغيرة مسيّرة فوق الشوف وعاليه. يومها، ذهبت التعليقات الى حدّ اتّهام "حزب الله" بأنه يسيّر تلك الطائرات لمراقبة المختارة، انطلاقا من جرود عين دارة. لم يعلّق الحزب على الموضوع، ولم تظهر تفاصيل ما حصل. إلا أنّ حادثة معوّض أثبتت أن إسرائيل قد تكون وراء ما جرى وقتذاك. بل أكثر من ذلك، ماذا لو نفّذت تلك الطائرات أيّ عملية عدوانيّة معيّنة؟ وما هي ردّة فعل الشارع في ذلك الوقت ومن كان ليصدق أن إسرائيل خلفها؟!.
من هنا تبرز أهميّة ما حصل. فقد أسقطت الطائرة مخطّطاً يعيشه العراق بشكل متكرّر في الأسابيع الماضية وهو الهجوم عبر طائرات مسيّرة مجهولة المصدر. ورغم الإتّهامات لاسرائيل بهذه العمليّات، إلا أن لا دليل حسّي على ذلك. هذا ما أسقطه نصرالله في خطابه، فأيّ اعتداء يحصل في لبنان ومصدره الطائرات المسيّرة، ستكون اسرائيل هي المسؤولة عنه.
في سياق آخر، وفي الخطاب ما قبل الأخير أعلن السيد نصرالله أنه في أي حرب مقبلة "سيتم استهداف الدبّابات والأهداف الإسرائيليّة وسيتم تصوير ذلك مباشرة". وهو الذي بات خبيراً في استهداف الداخل الإسرائيلي نفسياً وذهنياً، تمكّن من إشغال الإعلام والرأي العام الإسرائيلي. فكيف يمكن للحزب أن "يذلّ" فخر السلاح الإسرائيلي، أيّ الدبّابات، هكذا؟ لذا كان على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أن يتحرّك، قبل أسابيع من استحقاقه المهم.
قد يكون ما حصل يوم الأحد في معوّض، رداً على معادلة نصرالله. فوجود طائرة للتصوير ومعها طائرة عدائيّة تبعد عنها دقيقتين فقط، تؤكّد أن الهدف منها كان عدائياً. إن التزامن بين الطائرتين، يؤكّد أن الأولى كانت لتحديد الهدف، الذي لا يزال مجهولاً، والثانية كانت مسؤولة عن ضربه، وتكون هذه العمليّة مصوّرة. فهل أراد الإسرائيليون أن ينفذوا ما وعد به نصرالله أيّ ضرب هدف حسّاس وتصويره؟ هل كان ما حصل هدفه الردّ على تهديد الأمين العام لحزب الله بتصوير أي استهداف للدبّابات الإسرائيليّة في أيّ حرب مقبلة؟!.
الأكيد ممّا حصل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد ورّط نفسه في لبنان. وبعد أن رمى نصرالله الكرة في الملعب الإسرائيلي، بات الأوّل اليوم على شفير السقوط في انتخابات الكنيست المقبلة في 17 أيلول المقبل*. فهل يكون ردّ حزب الله قبل تاريخ هذه الإنتخابات؟!.